للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فقد مثّله في الحديث بالمثل السوء، والمراد منه التنفير عن البخل، وأنه صفة اللؤماء (ومنها): بيان صفة السخيّ في الصدقة، وأن السخاء من صفات الكرماء المفلحين الذين عناهم اللَّه تعالى بقوله: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: ٩] (ومنها): مشروعيّة ضرب الأمثال لتوضيح المقال، حتى يتّضح للسامع أتمّ الاتضاح، فيحصُرَه، ويستقرّ في ذهنه غاية الاستقرار، فيسحتضره (ومنها): ما قاله النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-: وفي هذا دليل على لباس القميص، وهذا ترجم عليه البخاريّ "باب جيب القميص من عند الصدر"؛ لأنه المفهوم من لباس النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - في هذه القصة، مع أحاديث أخرى صحيحة، وردت في ذلك انتهى (١).

قال ابن بطّال -رحمه اللَّه تعالى-: وموضع الدلالة منه أنّ البخيل إذا أراد إخراج يده أمسكت في الموضع الذي ضاق عليها، وهو الثدي، والتراقي، وذلك في الصدر، قال: فبان أنّ جيبه كان في صدره؛ لأنه لو كان في يده لم تضطرّ يداه إلى ثدييه، وتراقيه انتهى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٢٥٤٨ - (أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ, قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ, قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ, قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُسٍ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنِ النَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قَالَ: «مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ, مَثَلُ رَجُلَيْنِ, عَلَيْهِمَا جُنَّتَانِ, مِنْ حَدِيدٍ, قَدِ اضْطَرَّتْ أَيْدِيَهُمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا, فَكُلَّمَا هَمَّ الْمُتَصَدِّقُ بِصَدَقَةٍ, اتَّسَعَتْ عَلَيْهِ, حَتَّى تُعَفِّىَ أَثَرَهُ, وَكُلَّمَا هَمَّ الْبَخِيلُ بِصَدَقَةٍ, تَقَبَّضَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ إِلَى صَاحِبَتِهَا, وَتَقَلَّصَتْ عَلَيْهِ, وَانْضَمَّتْ يَدَاهُ إِلَى تَرَاقِيهِ» , وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -, يَقُولُ: «فَيَجْتَهِدُ أَنْ يُوَسِّعَهَا, فَلَا تَتَّسِعُ»).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد رجال الصحيح، غير شيخه، فإنه من أفراده، وهو ثقة. و"عفّان": هو ابن مسلم الصفّار البصريّ. و"وُهيب": هو ابن خالد الباهليّ البصريّ.

والحديث أخرجه مسلم، وقد تقدّم شرحه، والكلام على مسائله في الذي قبله.

وقوله: "قد اضطرّت أيديهما إلى تراقيهما" قال القسطلّاني: بفتح الطاء، ونصب التحتانية الثانية، من "أيديهما" عند أبي ذرّ على المفعوليّة، ولغيره بضمّ الطاء، وسكون التحتيّة، مرفوعٌ نائبٌ عن الفاعل. وقال القاري: بضمّ الطاء: أي شُدّت، وضُمّت، والتصقت. وفي نسخة بفتح الطاء، ونصب "أيديهما" على أنّ ضمير الفعل إلى جنس الْجُنّة المفهوم من التثنية انتهى (٢).


(١) - "شرح مسلم" ج ٧ ص ١١٠.
(٢) - راجع "المرعاة" ج ٦ ص ٢٨٧.