للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأمر، والرفق، والسكينة. قال المجد اللغويّ: الْمَهْل، ويُحرّك، والْمُهْلَة -بالضمّ-: السكينة، والرفق. وأمهله: رَفَقَ به، ومَهَّلَه تمهيلًا: أجّله. وتَمَهَّلَ: اتّأَد. ويقال: مهلاً يارجلُ، وكذا للأنثى، والجمعِ، بمعنى أَمْهِلْ انتهى (١). ونصبه على أنه مفعولٌ مطلق لفعل مقدّر، أي أَمْهِلِي مَهْلًا.

وقال السنديّ: "مهلًا" أي استعملي الرفق، والتأنّي في الأمور، واتركي الاستعجال المؤدّي إلى أن تطلبي علمَ ما لا فائدة في علمه انتهى (٢).

(لَا تُحصِي) صيغة نهيٍ للمؤنّث، من الإحصاء، مجزوم بـ "لا" الناهية، وجزمه بحذف النون، والياء ضمير المخاطبة، أي لا تَعُدِّي ما تعطينه (فَيُحْصِيَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَيْكِ) بالنصب بـ "أن" مقدّرةً بعد الفاء السببيّة، كما قال في "الخلاصة":

وَبَعْدَ فا جَوَابِ نَفْي أَوْ طَلَبْ … مَحْضَيْنِ "أَنْ" وَسَتْرُهُ حَتْمٌ نَصَبْ

أي لا يوجد منك إحصاء، فيوجد إحصاء اللَّه تعالى عليك.

قال الكرمانيّ -رحمه اللَّه تعالى-: الإحصاء العدّ، قالوا: المراد منه عَدّ الشيء للتبقية، والادّخار، وترك الإنفاق في سبيل اللَّه، وإحصاء اللَّه تعالى يحتمل وجهين:

أحدهما: أن يَحبس عنك مادّة الرزق، وُيقلله بقطع البركة حتى يصير كالشيء المعدود. والآخر: أنه يناقشك في الآخرة عليه. انتهى.

وقال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-: هذا من مقابلة اللفظ باللفظ للتجنيس، كما قال اللَّه تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} الآية [آل عمران: ٥٤]. ومعناه: يمنعك كما منعت، ويُقتّر عليك كما قتّرت، ويُمسك فضله عنك كما أمسكته. وقيل: معنى "لا تحصي" أي لا تعدّيه، فتستكثريه، فيكون سببًا لانقطاع إنفاقك انتهى (٣).

وقال في "الفتح": الإحصاء معرفة قدر الشيء وزنًا، أو عددًا، وهو من باب المقابلة، والمعنى النهي عن منع الصدقة خشية النَّفَاد، فإنّ ذلك أعظم الأسباب لقطع مادّة البركة؛ لأنّ اللَّه يثيب على العطاء بغير حساب، ومن لا يحاسبُ عند الجزاء لا يحسب عليه عند العطاء، ومن عدم أنّ اللَّه يرزقه من حيث لا يحتسب، فحقّه أن يُعطي، ولا يحسُب. وقيل: المراد بالإحصاء عَدُّ الشيء لأنّ يُدَّخَر، ولا يُنفَق منه، وإحصاءُ اللَّه قطع البركة عنه، أو حبس مادّة الرزق، أو المحاسبة عليه في الآخرة


(١) - راجع "القاموس المحيط".
(٢) - راجع "شرح السنديّ" ج ٥ ص ٧٣.
(٣) - راجع "شرح النووي على صحيح مسلم" ج ٧ ص ١١٩.