والْمُقبِلُ في خطابه، المانع لما وراء ظهره. فيجوز أن يكون أشاح أحد هذه المعاني: أي حَذِرَ النارَ، كأنه ينظر إليها، أو جَدَّ على الوصية باتقائها، أو أقبل على أصحابه في خطابه بعد أن أعرض عن النار لَمَّا ذكرها. انتهى (١).
وحكى ابن التين: أن معنى "أشاح" صدّ، وانكمش. وقيل: صرف وجهه كالخائف أن تناله. انتهى.
(وَتَعَوَّذَ مِنْهَا) أي التجأ إلى اللَّه تعالى ليعصمه من النار (ذَكَرَ شُعْبَةُ أنَّهُ فَعَلَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) يعني أن شعبة -رحمه اللَّه تعالى- ذكر في روايته أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - فعل ما ذُكر من الإشاحة، والقول ثلاث مرّات. وفي رواية للبخاريّ من طريق الأعمش، عن عمرو بن مُرّة: قال النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "اتّقوا النار"، ثمّ أعرض، وأشاح، ثم قال:"اتقوا النار"، ثمّ أعرض، وأشاح، ثلاثًا، حتّى ظنّنا أنه ينظر إليها … " (ثُمَّ قَالَ: "اتَّقُوا النَّارَ، وَلَوْ بِشِقِّ التَّمْرَةِ) أي اجعلوا بينكم وبين النار وِقَايةً، من الصدقة، وعَمَلِ البرّ، ولو بشيء يسير (فَإنْ لَمْ تَجِدُوا) ما تتصدّقون به من المال اليسير (فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ") أي فتصدّقوا بكلمة طيّبة.
قال ابن هُبيرة: المراد بـ "الكلمة الطيّبة" هنا ما يدلّ على هُدًى، أو يردُّ عن ردًى، أو يُصلح بين اثنين، أو يَفصِل بين متنازعين، أو يَحُلُّ مشكلا، أو يكشف غامضا، أو يدفع ثائرًا، أو يسكّن غضبًا. ذكره في "الفتح". واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث عدي بن حاتم - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا-٢٥٥٢ و ٢٥٥٣ - وفي "الكبرى" ٦٥/ ٢٣٣٣ و ٢٣٣٤. وأخرجه (خ) في "الزكاة" ١٤١٣ و ١٤١٧ و"المناقب" ٣٥٩٥ و"الأدب" ٦٠٢٣ و"الرقاق" ٦٥٣٩ و ٧٥١٣ و"التوحيد" ٧٥١٢ (م) في "الزكاة" ١٠١٦ (أحمد) في "مسند الكوفيين" ١٧٧٨٢ و ١٧٨١٠ و ١٨٨٣ (الدارميّ) ١٦٥٧. واللَّه تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو الحثّ على الصدقة، ولو
(١) - راجع "النهاية في غريب الحديث" ج ٢ ص ٥ بزيادة من "فتح الباري" ج ١٣/ ٢٢١ - ٢٢٢.