للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عمرو بن العاص، فالضمير لشعيب، لا لعمرو، فتنبّه، أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "كُلُوا) أي جميع أنواع الطيّبات، فحذف المفعول لإرادة التعميم، فهو كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} الآية [البقرة: ١٧٢]، والأمر للإباحة (وَتَصَدَّقُوا) أي على المحتاجين، من الفقراء والمساكين، فحذف المفعول أيضًا؛ لما ذُكر (وَالْبَسُوا) أي الحلال، من أنواع الملابس (فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ) قيد في الثلاثة، وكذا ما بعده، فإباحة الأكل، واللبس، والصدقة مشروطة بالخلوّ من الإسراف، والخيلاء.

والإسراف: هو إنفاق المال الكثير في الغرض الخسيس. وقيل: صرف شيء فيما ينبغي زيادةً على ما ينبغي، بخلاف التبذير، فإنه صرف الشيء فيما لا ينبغي. كذا قاله الجرجانيّ. وقال أبو البقاء الكفويّ: الإسرافُ: تجاوز في الكميّة، فهو جهلٌ بمقادير الحقوق. والتبذير: تجاوز في موضع الحقّ، فهو جهل بمواقعها، يرشد إلى هذا قوله تعالى في تعليل الإسراف: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: ٣١] وفي تعليل التبذير: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} الآية [الإسراء: ٢٧] انتهى (١).

("وَلَا مَخِيلَةٍ") بفتح الميم، وكسر الخاء المعجمة: بمعنى الْخُيَلاء، أي من غير تكبر، وفخر، وتطاول على الناس.

وحاصل المعنى أنه أباح الأكل، واللبس، والتصدق، إذا لم يُتَجَاوَز بها الحدُّ المشروع، وهو معنى الإسراف، وخلا ذلك عن الخيلاء، وإلا حرم الجميع. واللَّه تعالى أعلم.

[فإن قلت]: هذا الحديث يعارض الحديث الذي قبله، فإن هذا يدلّ على تحريم الخيلاء في الصدقة، وذاك يدلّ على مدحه فيها، فكيف التوفيق بينهما؟.

[قلت]: لا تعارض بينهما؛ لأن المراد بالاختيال هناك أن يكون طيّب النفس، منشرح الصدر، منبسط القلب، لا يستكثر، ولا يمنّ، بخلافه هنا، فإنه التكبّر على الفقراء، ورفع نفسه عنهم، والتطاول بلسانه عليهم، والمنّ بما أعطاه لهم، والإعجاب بنفسه، وحبّ المحمدة على فعله. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه صحيح.


(١) - "الكليات" لأبي البقاء الكفويّ ص ١١٣.