للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تعالى وليّ التوفيق.

(وَلَا يُزَكِّيهِمْ) أي لا يطهّرهم من دنس ذنوبهم؛ لعظيم جُرْمهم. قال الزجّاج: لا يُثني عليهم، ومن لم يثن عليه عذّبه (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) أي شديد الألم الْمُوجع. قال الواحدي: هو العذاب الذي يَخلُصُ إلى قلوبهم وَجَعُه، قال: والعذاب: كلّ ما يُعْيِي الإنسان، وَيشُقّ عليه، قال: وأصل العذاب في كلام العرب من العذب، وهو المنع، يقال: عذبته عَذْبًا: إذا منعته، وعَذَب عُذوبًا: أي امتنع، وسمّي المّاء عذْبًا؛ لأنه يمنع العطش، فسمّي العذاب عذابًا؛ لأنه يمنع المعاقَبَ من معاودة جُرْمه، وبمنع غيره من مثل فعله. ذكره النوويّ في شرحه لصحيح مسلم (١).

وقال الراغب في "مفرداته": واختُلف في أصله، فقال بعضهم: هو من قولهم: عَذَبَ الرجلُ: إذا ترك المأكل والنوم، فهو عاذِبٌ، وعَذُوبٌ، فالتعذيب في الأصل حَملُ الإنسان أن يَعْذِبَ: أي يجوعَ، ويسهَرَ. وقيل: أصله من الْعَذْبِ، فعذّبتُهُ: أي أزلتُ عَذْبَ حياته، على بناء مَرَّضته، وقَذّيته. وقيل: أصل التعذيب إكثار الضرب بعَذَبَة السّوط، أي طرفها. وقد قال بعض أهل اللغة: التعذيب هو الضرب. وقيل: هو من قولهم: ماءٌ عَذَبٌ، إذا كان فيه قَذًى وكَدَرٌ، فيكون عذّبته، كقولك: كدّرت عيشَهُ، وزَلَّقتُ حياته. وعَذَبَة السوط، واللسان، والشجر: أطرافها، انتهى (٢).

(فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -) أي قرأ هذه الجُمَل المذكورة (فَقَالَ: أَبُو ذَرٍّ) - رضي اللَّه تعالى - عنه (خَابُوا) أي لم يظفروا بمرادهم، والكلام يحتمل أن يكون دعاء عليهم بالخيبة، وأن يكون إخبارًا بخيبتهم. يقال: خاب يخيب خَيبة: إذا لم يظفر بما طلب، وخيّبه اللَّه تعالى -بالتشديد-: جعله خائبًا. أفاده الفيّوميّ (وَخَسِرُوا) أي هلكوا، والكلام عليه كسابقه (خَابُوا، وَخَسِرُوا) كرره مرّتين للتأكيد.

زاد في رواية مسلم: "من هم يا رسول اللَّه".

(قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (الْمُسْبِلُ إِزَارَهُ) من الإسبال، وهو الإرخاء عن الحدّ الذي ينبغي الوقوف عنده.

يعني: أنّ أحد الثلاثة الذين لهم هذا الوعيد الشديد: هوالرجل الذي يُرخِي إزاره، ويجرّ طَرَفه خُيَلاءً، كما جاء مفسّرًا في حديث ابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما - المتّفق عليه: "لا ينظر اللَّه إلى من جرّ ثوبه خيلاء". والخيلاء الكبر، والعجب.

قال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-: وهذا التقييد بالجرّ خيلاء يُخصّص عموم المسبل


(١) - "شرح صحيح مسلم" للنوويّ ج ٢ ص ٢٩٧ - ٢٩٨.
(٢) - "مفرادت ألفاظ القرآن" ص ٥٥٥.