والْمِسْكين أي بالكسر، والْمَسْكين أي بالفتح -الأخيرة نادرة؛ - لأنه ليس في الكلام مَفْعِيلٌ-: الذي لا شيء له. وقيل: الذي لا شيء له يكفي عياله. قال أبو إسحاق: المسكين الذي أسكنه الفقر، أي قلّل حركته، وهذا بعيد؛ لأن مسكينًا في معنى فاعل. وقوله: الذي أسكنه الفقر يُخرجه إلى معنى مفعول. وهو مِفْعيل من السكون، مثلُ الْمِنْطيق من النُّطْق. قال ابن الأنباريّ: قال يونس الفقير أحسن حالًا من المسكين، والفقير الذي له بعض ما يُقيمه. والمسكين أسوأ حالًا من الفقير، وهو قول ابن السكيت؛ قال يونس: وقلت لأعرابيّ أفقير أنت أم مسكين؟ فقال: لا واللَّه، بل مسكين، فأعلم أنه أسوأ حالا من الفقير؛ واحتجّوا على أن المسكين أسوأ حالًا من الفقير بقول الراعي [من البسيط]:
فأثبت أن للفقير حَلوبةً، وجعلها وَفْقًا لعياله؛ قال: وقول مالك في هذا كقول يونس. وروي عن الأصمعيّ أنه قال: المسكين أحسن حالًا من الفقير، وإليه ذهب أحمد بن عُبيد، قال: وهو القول الصحيح عندنا؛ لأن اللَّه تعالى قال:{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} فأخبر أنهم مساكين، وأن لهم سفينة، تساوي جملة، وقال:{لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}، فهذه الحال التي أخبر بها عن الفقراء، هي دون الحال التي أخبر بها عن المساكين. قال ابن برّيّ: وإلى هذا القول ذهب عليّ بن حمزة الأصفهانيّ اللغويّ، ويرى أنه الصواب، وما سواه خطأٌ، واستدلّ على ذلك بقوله:{مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ}، فأكّد -عَزَّ وَجَلَّ- سُوء حاله بصفة الفقر؛ لأن الْمَتْرَبة الفقر، ولا يؤكّد الشيء إلا بما هو أوكد منه، واستدلّ على ذلك بقوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ}، فأثبت أنّ لهم سفينة يعملون عليها في البحر، واستدلّ أيضًا بقول الراجز:
فأثبت أنّ له عشر شياه، وأراد بقوله: عسكره غنمه، وأنها قليلة، واستدلّ أيضًا ببيت الراعي، وزعم أنه أعدل شاهد على صحّة ذلك، وهو قوله:
أَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ
لأنه قال: أما الفقير الذي كانت حَلُوبته، ولم يقل: الذي حلوبته، وقال: فلم يُترك له سَبَدٌ، فأعلمك أنه كانت له حلوبة تقوت عياله، ومن كانت هذه حاله، فليس بفقير،