أتباعهم على الإسلام. قال: وهذه الأقوال متقاربة، والقصد بجميعها الإعطاءُ لمن لا يتمكّن إسلامه حقيقةً إلا بالعطاء؛ فكأنه ضربٌ من الجهاد، والمشركون ثلاثة أصنافٌ: صنف يرجع بإقامة البرهان، وصنفٌ بالقهر، وصنفٌ بالإحسان، والإمام الناظر للمسلمين يستعمل مع كلّ صنف ما يراه سببًا لنجاته، وتخليصه من الكفر انتهى كلام القرطبيّ (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
٢٥٧٨ - (أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ, عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ, عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ, عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ, عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ, قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ, وَهُوَ بِالْيَمَنِ بِذُهَيْبَةٍ بِتُرْبَتِهَا, إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -, فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -, بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: الأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيِّ, وَعُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ, وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ الْعَامِرِيِّ, ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلَابٍ, وَزَيْدٍ الطَّائِيِّ, ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ, فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ, وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: صَنَادِيدُ قُرَيْشٍ, فَقَالُوا: تُعْطِي صَنَادِيدَ نَجْدٍ, وَتَدَعُنَا, قَالَ: «إِنَّمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ؛ لأَتَأَلَّفَهُمْ» , فَجَاءَ رَجُلٌ, كَثُّ اللِّحْيَةِ, مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ, غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ, نَاتِئُ الْجَبِينِ, مَحْلُوقُ الرَّأْسِ, فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ يَا مُحَمَّدُ, قَالَ: «فَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ-, إِنْ عَصَيْتُهُ أَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ, وَلَا تَأْمَنُونِي؟» , ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ, فَاسْتَأْذَنَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فِي قَتْلِهِ, يَرَوْنَ أَنَّهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: «إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ, لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ, يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلَامِ, وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ, يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلَامِ, كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ, لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ, لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ»).
رجال هذا الإسناد: خمسة:
١ - (هناد بن السري) الكوفي، ثقة [١٠] ٢٣/ ٢٥.
٢ - (أبو الأحوص) سلام بن سُلَيم الحنفي الكوفي، ثقة ثبت [٧] ٧٩/ ٩٦.
٣ - (سعيد بن مسروق) والد سفيان الثوري الكوفي، ثقة [٦] ١٥٣/ ١١٢١.
٤ - (عبد الرحمن بن أبي نُعم) -بضمّ النون، وسكون المهملة- البجليّ، أبي الْحَكَم الكوفيّ، صدوق، عابد [٣].
قال مندل بن عليّ، عن بكير بن عامر: لو قيل لعبد الرحمن قد تَوَجّهَ ملك الموت إليك يريد قبض روحك، ما كانت عنه زيادة على ما هو فيه. وقال محمد بن فضيل، عن أبيه: كان عبد الرحمن يُحْرِم من السنة إلى السنة، وكان يقول: لبيك لو كان رياءً
(١) - "الجامع لأحكام القرآن" ج ٨ ص ١٧٨ - ١٧٩.