للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

داخلتان في مَحَاجرهما، لا صقتان بقعر الحدقة، وهو ضدّ الْجُحُوظ (نَاتِىءُ الْجَبِينِ) بهمز ناتىء: أي مرتفع الجبين، والجبين -بفتح الجيم، وكسر الموحّدة-: جانب الجبهة، ولكلّ إنسان جبينان يكتنفان الجبهة، وجمعه جُبُن -بضمّتين، مثل بريد وبُرُد، وأَجْبِنة، مثلُ أَسْلِحَة. وفي "الكبرى": قاني الجبين" بالقاف بدل "ناتىء"، والظاهر أنه بمعناه؛ لأن قَنَا الأنفِ: ارتفاع أعلاه، واحْدِيدَاب وسطه، كما في "القاموس".

(مَحْلُوقُ الرَّأْسِ) وفي رواية للبخاريّ في "كتاب التوحيد" في وصف الخوارج: "سيماهم التحليق"، ولفظه من طريق معبد بن سيرين، عن أبي سعيد الخدري، - رضي اللَّه عنه -، عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، قال: "يَخرُج ناس من قبل المشرق، ويقرءون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يَمرُقُون من الدين، كما يَمرُق السهم من الرَّمِيَّة، ثم لا يعودون فيه، حتى يعود السهم إلى فُوقِه، قيل: ما سيماهم؟، قال: "سيماهم التحليق"، أو قال: "التسبيد" انتهى. "التسبيد" بمعنى التحليق، أو أبلغ منه.

قال الكرمانيّ -رحمه اللَّه تعالى-: فيه إشكالٌ، وهو أنه يلزم من وجود العلامة وجود ذي العلامة، فيستلزم أن كلّ من كان محلوق الرأس، فهو من الخوارج، والأمر بخلاف ذلك اتفاقًا. ثم أجاب بأنّ السلف كانوا لا يحلقون رؤوسهم، إلا للنسك، أو في الحاجة، والخوارج اتخذوه دَيْدنًا، فصار شِعَارًا لهم، وعُرفوا به. قال: ويحتمل أن يُراد به حلق الرأس واللحية، وجميع شعورهم، وأن يراد به الإفراط في القتل، والمبالغة في المخالفة في أمر الديانة انتهى.

قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: الأول باطل لأنه لم يقع من الخوارج. والثاني محتمل، لكن طرق الحديث المتكاثرة كالصريحة في إرادة حلق الرأس، والثالث كالثاني. واللَّه أعلم انتهى (١). وزاد في رواية الشيخين: "مشمّر الإزار".

(فَقَالَ: اتَّقِ اللَّه يَا مُحَمَّدُ، قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (فَمَنْ يُطِيعُ اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، إِنْ عَصَيتُهُ؟) "من" استفهامية، والاستفهام للإنكار والتوبيخ. وفي رواية البخاريّ: "أو لست أحقّ ثم هل الأرض أن يتّقي اللَّه" (أَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ) أي يجعلني اللَّه تعالى مؤتمنًا على شرعه الذي يُنزله على أهل الأرض، حيث بعثني رسولا إليهم، ومعلوم أن مدار الرسالة على الأمانة (وَلَا تَأْمَنُونِي؟) أي لا تعتقدون كوني أمينًا، إذ آمنتم برسالتي؛ لأن ذلك مقتضى الإيمان بها (ثُمَّ أدْبَرَ الرَّجُلُ) وفي رواية الشيخين: "ثم ولّى الرجل" (فَاسْتَأْذَنَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فِي قَتلِهِ، يَرَوْنَ أَنَّهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ) يحتمل أن يكون "يرون" بالبناء للفاعل


(١) - راجع "الفتح" ج ١٥ ص ٥٢٠ - ٥٢١.