للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الميم والزاي، والذي أحفظه عن المحدّثين الضمّ.

قال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: قوله: "مزعة لحم": أي قطعة لحم، ومنه مَزَعَت المرأةُ الصوفَ: إذا قطعته لتهيّئه للغزل، وتمزّع أنفه: أي تشقّق. وهذا كما قيل في الحديث الآخر: "المسائل كُدُوحٌ، أو خُدُوشٌ، يَخدُشُ بها الرجل وجهه يوم القيامة" (١).

وهذا محمولٌ على كلّ من سأل سؤالًا لا يجوز له، وخصّ الوجه بهذا النوع؛ لأن الجناية به وقعت، إذ قد بذل من وجهه ما أُمر بصونه عنه، وتصرّف به في غير ما سُوّغ له انتهى (٢).

وقال الخطّابيّ -رحمه اللَّه تعالى-: يحتمل أن يكون المراد أنه يأتي ساقطًا، لا قدر له، ولا جاه. أو يُعذّب في وجهه حتى يسقط لحمه لمشاكلة العقوبة في مواضح الجناية من الأعضاء؛ لكونه أذلّ وجهه بالسؤال. أو أنه يُبعث ووجهه عظم كلّه، فيكون ذلك شعاره الذي يُعرف به انتهى.

قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: الأول صرف للحديث عن ظاهره، وقد يؤيّده ما أخرجه الطبرانيّ، والبزار من حديث مسعود بن عمرو، مرفوعًا: "لا يزال العبد يسأل، وهو غنيّ، حتى يَخْلُق وجهه، فلا يكون له عند اللَّه وجه".

وقال ابن أبي جمرة: معناه أنه ليس في وجهه من الحسن شيء؛ لأن حسن الوجه هو بما فيه من اللحم. ومال المهلّب إلى حمله على ظاهره. انتهى (٣).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: حمل الحديث على ظاهره هو الأولى، ولا ينافيه حديث الطبرانيّ والبزّار المذكور؛ لأن المعنى: أنه يأتي يوم القيامة وقد سقط لحم وجهه، ومع ذلك لا يكون له وجه، أي شرف عند اللَّه تعالى، وقد أورد البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى- مؤيّدًا حمل الحديث على ظاهره بعد أن أورد حديث ابن عمر المذكور حديثه في الشفاعة، فقال: وقال: "إن الشمس تدنو يوم القيامة، حتى يبلغ العَرَق نصف الأذن، فبينا هم كذلك، استغاثوا بآدم، ثم بموسى، ثم بمحمد - صلى اللَّه عليه وسلم -".

وزاد عبد اللَّه بن صالح: حدثني الليث، حدثني ابن أبي جعفر، فيشفع ليُقضَى بين الخلق، فيمشي، حتى يأخذ بحلقة الباب، فيومئذ يبعثه اللَّه مقاما محمودا، يحمده أهل الجمع كلهم".

ووجه ذلك أن الشمس إذا دنت يكون من لا لحم على وجهه أشدّ تأذّيًا بها من غيره.

والحاصل أن ظاهر الحديث هو المقصود، وبقية المعاني لا تنافيه، فيبعث لا لحم على وجهه، ويكون لا قدر له عند اللَّه تعالى، ويعذّب بتساقط لحمه.


(١) - يأتي للمصنّف -٩٢/ ٢٥٩٩ بنحوه.
(٢) - "المفهم" ج ٣ ص ٨٥.
(٣) - "فتح" ج ٤ ص ١٠٢.