للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أحتاج إليه، فالمراد سؤال الناس، بدليل قوله في الجواب: "فاسأل الصالحين"، فلا يدخل فيه سؤال اللَّه تعالى، فإنه مأمور به، قال اللَّه تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} الآية. وقد أخرج أحمد، والترمذيّ، وابن ماجه بإسناد لا بأس به، من حديث أبي هريرة - رضي اللَّه تعالى عنه -، قال: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "من لم يسأل اللَّه غضب عليه"، لفظ الترمذيّ (١).

ولبعضهم [من الكامل]:

اللَّه يَغضَبُ إِنْ تَرَكْتَ سُؤَالَهُ … وَبُنَيُّ آدَمَ حِينَ يُسْأَلُ يَغْضَبُ

(قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (لَا) أي لا تسأل الناس شيئًا (وَإِنْ كُنْتَ سَائِلًا، لَا بُدَّ) قال محمد مرتضى الزبيديّ -رحمه اللَّه تعالى-: وقولهم: لا بُدّ اليوم من قضاء حاجتي، أي لا فراق منه. قاله أبو عمرو. وقيل: لا بدّ منه لا مَحَالَةَ. وقال الزمخشريّ: أي لا عِوَض، ومعناه أمر لا زمٌ، لا تُمْكِن مفارقته، ولا يوجد بدلٌ منه، ولا عوضٌ يقوم مقامه. وقال شيخنا: قالوا: ولا يستعمل إلا في النفي، واستعماله في الإثبات مولّد انتهى كلام المرتضى (٢).

والجملة في محلّ نصب على الحال من "سائلا"، أي إن كنت سائلًا، حال كونك غير مستغنٍ عن السؤال، بأن اضطررت إليه، ولا تجد منه مَفَرًّا (فَاسْأَلِ الصَّالِحِينَ) والمعنى: لا تسأل الناس شيئًا، بل سِلِ اللَّهَ تعالى، وأَحْسِنِ التوكّلَ عليه، فإن سؤال الناس ذلّ، فإن لم تجد مَفرًّا من سؤال الناس، ودعتك الضرورة إلى ذلك، فسل الصالحين منهم، القائمين بحقوق اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، وحقوق العباد؛ لأنهم الكرماء الرحماء الذين لا يمنّون إذا أَعْطَوْا، ولا يردّون السائل خائبًا، وإن كان بهم حاجة إلى ما يُعطُونه، قال اللَّه تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}، ولا يُعطُون إلا من حلال، وإذا لم يجدوا ما يعطونه ردوا السائل بالحسنى، ودَعَوا له، ودعاؤهم مرجوّ الإجابة. وهذا إرشاد إلى ما هو الأولى، وإلا فسؤال غير الصالحين جائز، كما سبق بيانه مفصّلاً (٣).

وقال الحافظ وليّ الدين -رحمه اللَّه تعالى-: يحتمل أن يراد بالصالحين الصالحون من أرباب الأموال الذين لا يمنعون ما عليهم من الحقّ، وقد لا يعلمون المستحقّ من غيره، فإذا عرفوا بالسؤال المحتاجَ أعطوه مما عليهم، من حقوق اللَّه تعالى.


(١) - أخرجه أحمد، والترمذيّ، وابن ماجه، وفي سنده أبو صالح الخوزيّ، قال أبو زرعة: لا بأس به، وضعّفه ابن معين. وحسن الحديث بعض أهل العلم، وهو كذلك. واللَّه تعالى أعلم.
(٢) - راجع "تاج العروس في شرح القاموس" ج ٢ ص ٢٩٥.
(٣) - راجع "المنهل العذب" ج ٩ ص ٢٨٤.