(فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إِنْ شِئْتُمَا) هكذا نسخ "المجتبى" بحذف الجواب، أي أعطيتكما من الصدقة. وقد صرّح به في "الكبرى" ولفظه: "إن شئتما أعطيتكما"، ومثله في رواية أبي داود (وَلَا حَظَّ فِيهَا) أي لا نصيب في الصدقة، أو في سؤالها (لِغَنِيٍّ) أي لصاحب مالٍ يُعدّ به غنيًّا (وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِب) أي لقادر على كسب كفايته، وإن لم يكن له مالٌ يعدّ به غنيًّا.
وفيه أن الصدقة لا تحلّ للقادر على اكتساب كفايته، إذ هو مَكْفِيٌّ بالاكتساب، ككفاية الغني بالمال. وإليه ذهب الشافعيّ، وأحمد، وإسحاق بن راهويه، وأبو عبيد، وابن المنذر. وقال أبو حنيفة، وأصحابه: يجوز للقويّ المكتسب الأخذ من الزكاة ما لم يملك نصابًا فاضلًا عن حوائجه الأصليّة. وقال مالك، وأصحابه: يجوز دفع الزكاة للقادر على الكسب، إذا كان فقيرًا، لا يملك قوت عامه، ولو ترك التكسّب اختيارًا.
قالوا: ومن كانت له صنعة تكفيه وعيالَهُ، لم يُعطَ، وإن لم تكفه أعطي تمام كفايته. وأجابوا عن حديث الباب بأن المراد بقوله: "ولا لقويّ مكتسب" أنه لا يحلّ له أن يسألها مع قدرته على اكتساب قوته؛ لقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "وإن شئتما أعطيتكما"، فلو كان الأخذ محرّمًا غير مسقط للزكاة لم يعلّق الإعطاء على اختيارهما، أما إذا أُعطي من غير سؤال، فلا يحرم عليه أخذها؛ لدخوله في الفقراء، وقد قال النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - لمعاذ: "أَعْلِمْهُم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، وتردّ في فقرائهم"، فجعل الأغنياء من تجب عليهم الزكاة، ومن يأخذها فقيرًا، وإن كان قادرًا على الكسب.
وتُعُقّب بأن هذا صرف للحديث عن ظاهره بدون مقتضٍ، فإنه صريحٌ في تحريم الزكاة على القادر المكتسب، سواء أسألها، أم لم يسألها. وقوله: "إن شئتما أعطيتكما" تفويض لهما في أنهما هل يستحقّانها لفقرهما، أم لا؛ لاستغنائهما بمال، أو كسب.
وقال الطيبيّ: معناه: لا أعطيكما؛ لأنها حرام على القويّ المكتسب، فإن رضيتما بأكل الحرام أعطيتكما، قاله توبيخا انتهى (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث عبيد اللَّه بن عديّ بن الخيار، عن رجدين من أصحاب النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - صحيح.
(المسألة الثانية): في بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه: