للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بإيراد هذا الحديث؛ لأنه لو صحّ الاستدلال بقوله: "ابن أخت القوم منهم" على إرادة الميراث لصحّ الاستدلال به على أن العتيق يرث ممن أعتقه؛ لورود مثله في حقّه، فدلّ على أن المراد بقوله: "من أنفسهم"، وكذا "منهم" في المعاونة، والانتصار، والبرّ، والشفقة، ونحو ذلك، لا في الميراث.

وقال ابن أبي جمرة: الحكمة في ذكر ذلك إبطال ما كانوا عليه في الجاهليّة من عدم الالتفات إلى أولاد البنات فضلًا عن أولاد الأخوات، حتى قال قائلهم:

بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وَبَنَاتُنَا … بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الأَبَاعِدِ

فأراد بهذا الكلام التحريضَ على الأُلْفة بين الأقارب. انتهى (١).

[تنبيهان]:

(أحدهما): سبب قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "ابن أخت القوم منهم" هو ما أخرجه البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى- في "صحيحه" عن أنس - رضي اللَّه تعالى عنه -، قال: دعا النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - الأنصار، فقال: "هل فيكم أحدٌ من غيركم؟ "، قالوا: لا، إلا ابن أخت لنا، فقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "ابن أخت القوم منهم".

(الثاني): أنه وقع عند أحمد من طريق شعبة، عن معاوية بن قرّة في حديث أنس هذا أن المراد بابن أخت القوم هو النعمان بن مقرّن المزنيّ - رضي اللَّه تعالى عنه -، أي لأن أمه أنصارية.

ووقع ذلك في قصّة أخرى كما أخرجه الطبرانيّ من حديث عُتبة بن غَزْوَان أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قال يومًا لقريش: "هل فيكم من ليس منكم"؟ قالوا: لا، إلا ابن أختنا عتبة ابن غزوان، فقال: "ابن أخت القوم منهم". وله من حديث عمرو بن عوف أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - دخل بيته، قال: "ادخلوا عليّ، ولا يدخل عليّ إلا قرشيّ"، فقال: "هل معكم أحدٌ غيركم"؟، قالوا: معنا ابن الأخت، والمولى، قال: "حليف القوم منهم، ومولى القوم منهم". وأخرج أحمد نحوه من حديث أبي موسى، والطبرانيّ نحوه من حديث أبي سعيد. ذكره في "الفتح" (٢).

(قَالَ: نَعَمْ) أي قال معاوية: نعم سمعته يقول ذلك. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) - راجع "الفتح" ج ١٣ ص ٥٤٠. في "كتاب الفرائض".
(٢) - "الفتح" ج ٧ ص ٢٤٣. في "كتاب المناقب".