للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اللَّه تعالى: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى}، والصدقة لا تحلّ للأغنياء، وهذا بخلاف الهديّة، فإن العادة جارية بالإثابة عليها، وكذلك كان شأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - انتهى (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث معاوية بن حَيْدة - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا صحيح.

(المسألة الثانية): في بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:

أخرجه هنا-٩٨/ ٢٦١٣ - وفي "الكبرى" ١٠٠/ ٢٣٩٥. وأخرجه (ت) ٦٥٦ (أحمد) في "مسند البصريين" ١٩٥٥٠. واللَّه تعالى أعلم.

(المسألة الثالثة): في فوائده:

(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان تحريم الصدقة على النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - (ومنها): بين حلّ الهديّة له (ومنها): أنّ الصدقة تفارق الهديّة، حيث حُرّمت هي عليه، دون الهديّة، وذلك لأن القصد من الصدقة ثواب الآخرة، وهو ينبىء عن عزّ المعطِي، وذُل الآخذ في احتياجه إلى الترحّم عليه، والرفق به، والقصد من الهديّة التحبّب إلى المهدَى إليه، وإكرامه بعرضها عليه، ففيها غاية العزّة والرفعة له، وأيضًا من شأن الهديّة مكافأتها في الدنيا، ولذا كان - صلى اللَّه عليه وسلم - يأخذ الهديّة، وُيثيب عليها بإعطاء العوض عنها، فقد أخرج البخاريّ في، "صحيحه" من حديث عائشة - رضي اللَّه عنها -، قالت: "كان رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، يقبل الهديّة، ويثيب عليها".

فلا منّة للمُهدِي فيها البتّة، بل هي لمجرّد المحبّة، كما يدلّ كليه حديث: "تهادوا تحابّوا (٢) "، وأما جزاء الصدقة، فإنه في العقبى، ولا يجازي فيها إلا المولى سبحانه وتعالى.

(ومنها): بيان فضل النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، حيث أكرمه اللَّه تعالى بعدم حلّ الصدقة، لكونها من أوساخ الناس، ولِمَا يلحق الآخذ من الذلّ والهوان، بخلاف الهديّة، فإنها يراد بها إكرام آخذها، فتناسب كرامة النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وكمال شرفه العظيم (ومنها): أنه ينبغي الورع، والاحتياط في المواضع التي يتشكك فيها الإنسان، من الأمور التي تشتمل على المحظور والمباح، فإنه - صلى اللَّه عليه وسلم - إنما كان يسأل إذا جاءه شيء، أصدقةٌ، أم هديةٌ؛ لاشتماله على الحظر والإباحة، فإذا تبيّن له إحداهما عمل بمقتضاه. واللَّه تعالى أعلم بالصواب،


(١) - راجع "الفتح" ج ٥ ص ٥١٩.
(٢) - أخرجه مالك في "الموطّإ" ١٦٨٥١ - عن عطاء بن أبي مسلم عبد اللَّه الخراساني، قال: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "تصافحوا، يَذْهَبِ الْغِلُّ، وتَهَادَوا، تحابُّوا، وتَذْهَبِ الشَّحناءُ. وهو مرسل.