(ومنها): أنه يستحبّ للمفتي التنبيه على وجه الدليل، إذا ترتّب على ذلك مصلحة، وهو أطيب لنفس المستفتي، وأدعى لإذعانه (ومنها): أن وفاء الدين الماليّ كان معلومًا عندهم، مقرّرًا, ولهذا حَسُن الإلحاق به (ومنها): أن من مات، وعليه حجّ وجب على وليّه أن يجهّز من يحُجّ عنه من رأس ماله، كما أن عليه قضاء ديونه، فقد أجمعوا على أن دين الآدميّ من رأس المال، فكذلك ما شُبّه به في القضاء. ويلتحق بالحجّ كلّ حقّ ثبت في ذمّته، من كفّارة، أو نذر، أو زكاة، أو غير ذلك (ومنها): أن في قوله: "فاللَّه أحقّ بالوفاء" دليلٌ على أنه مقدّم على دين الآدميّ، وهو أحد أقوال الشافعيّ. وقيل: بالعكس. وقيل: هما سواء.
(ومنها): أن الحديث دليلٌ لقول الجمهور بأن من ترك الصلاة عامدًا يجب عليه قضاؤها، ووجه ذلك أن ذلك التارك عليه دين للَّه تعالى، يطالبه به، ويعاقبه عليه، فإذا كان دينًا وجب الوفاء به، كسائر الديون التي تلزمه للآدمين، كما إذا أتلف مالاً، أو غصب، أو أودعه شخصٌ، فأفرط فيه، ونحو ذلك، بل هذا ألزم بالوفاء، لصريح قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "فاللَّه أحقّ بالوفاء"، وفي رواية أخرى:"فدين اللَّه أحقّ بالوفاء".
والحاصل أن وجوب قضاء الصلاة على من تركها عامدًا هو الأرجح، وقد تقدّم تمام البحث فيه في "كتاب الصلاة" في باب "فيمن نسي صلاة" -٥٢/ ٦١٣ - فراجعه تستفد. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم الحجّ عن الميت:
قال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى- في "شرح المهذب": مذهب الشافعيّ -رحمه اللَّه تعالى- المشهور أنه إذا مات، وعليه حجّ الإسلام، أو قضاء، أو نذر، وجب قضاؤها من تركته، أوصى بها، أم لم يوص. قال ابن المنذر: وبه قال عطاء، وابن سيرين، وروي عن أبي هريرة، وابن عبّاس، وهو قول أبي حنيفة، وأبي ثور، وابن المنذر.
وقال النخعيّ، وابن أبي ذئب: لا يحُجّ أحدٌ عن أحد. وقال مالك: إذا لم يوص به يتطوّع عنه بغير الحجّ، ويُهدى عنه، أو يتصدّق، أو يُعتق عنه انتهى كلام النوويّ (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: المذهب الأول هو الأرحج؛ لقوّة دليله، كحديث الباب، وغيره. وقد تكلّم ابن حزم في هذه المسألة، ورجّح القول بالوجوب، وفنّد