للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

دليلاً على أن للمرأة أن تحجّ، وإن لم يكن معها ذو محرم؛ لأن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - قال للمرأة الخثعميّة: "حجي عن أبيك"، ولم يقل: إن كان معك ذو محرم. وهذا ليس بالقويّ من الدليل؛ لأن العلم ما نطق به، لا ما سكت عنه، وقد قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لا يحلّ لامرأة تؤمن باللَّه، واليوم الآخر تسافر، إلا مع ذي محرم، أو زوج" (١).

(ومنها): أن فيه برّ الوالدين، والاعتناء بأمرهما، والقيام بمصالحهما، من قضاء دين، وخدمة، ونفقة، وغير ذلك من أمور الدين والدنيا. (ومنها): ما قيل: إنه يدلّ على عدم وجوب العمرة؛ لأن المرأة الخثعميّة لم تذكرها. وتعُقّب بأن مجرّد ترك السؤال لا يدلّ على عدم الوجوب؛ لاستفادة ذلك من حكم الحجّ، ولاحتمال أن يكون اْبوها قد اعتمر قبل الحجّ. على أن السؤال عن الحجّ والعمرة قد وقع في حديث أبي رَزين الْعُقَيليّ - رضي اللَّه عنه -، كما تقدّم.

(ومنها): ما قاله ابن العربيّ -رحمه اللَّه تعالى-: إن حديث الخثعمّية أصل متّفق على صحّته في الحجّ، خارجٌ عن القاعدة المستقرّة في الشريعة، من أنه ليس للإنسان إلا ما سعى؛ رفقًا من اللَّه تعالى في استدراك ما فرّط فيه المرء بولده، وماله.

وتُعُقّب بأنه يمكن أن يدخل في عموم السعي، وبأن عموم السعي في الآية مخصوص اتفاقًا (٢). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في جواز الحجّ عن الغير:

قال الحافظ أبو عمر -رحمه اللَّه تعالى-: ما حاصله: اختلفوا في حجّ المرء عمن لا يطيق الحجّ من الأحياء، فذهب جماعة منهم إلى أن هذا الحديث مخصوص به أبو الخثعميّة، لا يجوز أن يُتَعدّى به إلى غيره، بدليل قول اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: ٩٧]، ولم يكن أبو الخثعميّة ممن يلزمه الحجّ لَمّا لم يستطع إليه سبيلاً؛ فخصّ بأن يُقضى عنه، وينفعه ذلك، وخُصّت ابنته أيضًا أن تحجّ عن أبيها، وهو حيٌّ.

وممن قال بذلك مالكٌ، وأصحابه، قالوا: خُصّ أبو الخثعمية، والخثعميّةُ بذلك، كما خُصّ سالم مولى أبي حذيفة برضاعه في حال الكبر، وهذا مما يقول به المخالف، فيلزمه. ورُوي معنى قول مالك عن عبد اللَّه بن الزبير، وعكرمة، وعطاء، والضحّاك.

قال ابن الزبير: الاستطاعة القوّة. وقال عكرمة: الاستطاعة الصحّة. وقال أشهب: قيل


(١) - متّفق عليه، واللفظ لمسلم.
(٢) - راجع لهذه الفوائد "كتاب الاستذكار" للحافظ أبي عمر -رحمه اللَّه تعالى- ج ١٢ص ٥٦ - ٥٨، و"فتح الباري" للحافظ ابن حجر -رحمه اللَّه تعالى- ج ٤ص٥٥٠.