للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: وورد في تفسير الآية أن الحجّ والعمرة تمامهما بهما من دُويرة أهلك عن عليّ، وابن مسعود، وإن كان قد تؤُوّل بأن مرادهما أن ينشأ لهما مفردًا من بلده، كما أنشأ - صلى اللَّه عليه وسلم - لعمرة الحديبية والقضاء سفرًا من بلده، ويدلّ لهذا التأويل أن عليًّا - رضي اللَّه عنه - لم يفعل ذلك، ولا أحد من الخلفاء الراشدين، ولم يحرموا بحجّ، ولا عمرة إلا من الميقات، بل لم يفعله - صلى اللَّه عليه وسلم -، فكيف يكون ذلك تمام الحجّ، ولم يفعله - صلى اللَّه عليه وسلم -، ولا أحد من الخلفاء، ولا جماهير الصحابة.

قال: نعم الإحرام من بيت المقدس بخصوصه ورد فيه حديث أم سلمة - رضي اللَّه تعالى عنها -، سمعت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يقول: "من أهلّ من المسجد الأقصى بعمرة، أو بحجّة، غُفر له ما تقدّم من ذنبه" (١)، وله ألفاظ عند أبي داود، وابن ماجه.

قال: فيكون هذا مخصوصًا ببيت المقدس، فيكون الإحرام منه خاصّة أفضل من الإحرام من المواقيت، ويدلّ له إحرام ابن عمر منه، ولم يفعل ذلك من المدينة، على أن منهم من ضعّف الحديث، ومنهم من تأوله بان المراد ينشىء لهما السفر من هنالك انتهى كلام الصنعاني -رحمه اللَّه تعالى- (٢).

وقال العلامة ابن قدامة -رحمه اللَّه تعالى-: ما ملخّصه: أما ما نُقل عن عمر، وعليّ - رضي اللَّه تعالى عنهما - أنهما قالا: إتمام العمرة أن تنشئها من بلدك. فمعناه أن تنشىء لها سفرًا من بلدك تقصد له، ليس أن تحرم بها من أهلك. قال أحمد: كان سفيان يفسّره بهذا، وكذلك فسره به أحمد. ولايصحّ أن يفسّر بنفس الإحرام، فإن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأصحابه ما أحرموا بها من بيوتهم، وقد أمرهم اللَّه تعالى بإتمام العمرة، فلو حمل على ذلك لكان النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأصحابه تاركين لأمر اللَّه، ثم إن عمر وعليًّا ما كانا يحرمان إلا من الميقات، أفتراهما يريان أن ذلك ليس بإتمام لها، ويفعلانه؟ هذا لا ينبغي أن يتوهّمه أحد، ولذلك أنكر عمر على عمران إحرامه من البصرة، واشتد عليه. انتهى كلام ابن قدامة بتصرف، واختصار (٣).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: أما الحديث المذكور في الإحرام من بيت المقدس، فإنه ضعيف، لا يصلح لمعارضة الأحاديث الصحيحة؛ لتفرّد حُكيمة بنت أميّة الأخنسية به، قال عنها في "التقريب": مقبولة، أي لا بدّ لها من متابع، وليس لها متابع، والراوي عنها يحيى بن أبي سفيان قال عنه أبو حاتم: ليس بالمشهور.


(١) الحديث ضعيف كما سيأتي قريبًا، فلا يصلح للاحتجاج به كما زعمه الصنعاني، فتنبه.
(٢) - "سبل السلام" ج ٢ص ٣٢٥ - ٣٢٦.
(٣) - ٥/ ٦٨.