مُعرّس رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، اقتداءً به، ولكنه ليس من النسك. (ومنها): فضل ذلك المعرَّس، حيث قيل للنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إنك ببطحاء مباركة"، وفي رواية البخاريّ:"صلّ في هذا الوادي المبارك". (ومنها): استحباب نزول الحجّاج في منزل قريب من بلدهم، ومبيتهم به، ليجتمع إليهم من تأخّر عنهم، ممن أراد أن يرافقهم، وليستدرك حاجته من نسيها مثلا، فيرجع إليها من قريب. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في التعريس بذي الحليفة:
قال الحافظ وليّ الدين -رحمه اللَّه تعالى-: اختُلف في نزوله - صلى اللَّه عليه وسلم - ببطحاء ذي الحليفة على أقوال:
(أحدها): أن ذلك جرى اتفاقًا، لا عن قصد، فهو كبقيّة منازل الحجّ، وهو ظاهر ما حكاه ابن عبد البرّ عن محمد بن الحسن، أنه قال: إنما هو مثل المنازل التي نزل بها رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - من منازل طريق مكة، وبلغنا أن ابن عمر كان يتّبع آثاره تلك، فينزل بها، فكذلك قيل مثل ذلك بالْمُعرّس. وذكر محمد هذا توجيهًا لقول أبي حنيفة: من مَرّ بالْمُعَرّس من ذي الحليفة، راجعًا من مكة، فإن أحبّ أن يُعرّس به حتى يصلّي فَعَل، وليس ذلك عليه.
(ثانيها): أنه قصد النزول به، لكن لا لمعنى فيه. حكى القاضي عياض عن بعضهم أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - إنما نزل به في رجوعه حتى يُصبح؛ لئلاّ يفجأ الناسُ أهاليهم ليلاً، كما نهى عنه صريحًا في الأحاديث المشهورة.
(ثالثها): أنه نزل به قصدًا، لمعنى فيه، وهو التبرّك به، ويدلّ له:"أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أُتِي، فقيل له: إنك ببطحاء مباركة". وهو في "الصحيحين"، وغيرهما -وهي الرواية التالية للنسائي- ويدلّ له أيضًا صلاته - صلى اللَّه عليه وسلم - به، وما فُهم من لفظ الحديث، من مواظبته على النزول به، لكنه ليس من مناسك الحجّ، بل هو سنّة مستقلّة. وبهذا قال الجمهور، قال مالك في "الموطّإ": لا ينبغي لأحد أن يُجاوز المعرّس إذا قفل حتى يصلّي فيه، وأنه من مرّ به في غير وقت صلاة، فليُقِم حتى تحَلّ الصلاةُ، ثم يُصلي ما بدا له؛ لأنه بلغني أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - عرّس به، وأن عبد اللَّه بن عمر أناخ به. قال ابن عبد البرّ: واستحبّه الشافعيّ، ولم يأمر به. وقال إسماعيل بن إسحاق القاضي: ليس نزوله - صلى اللَّه عليه وسلم - بالمعَرَّس كسائر منازل طريق مكة؛ لأنه كان يُصلّي الفريضة حيث أمكنه، والمعرّس إنما كان يصلّي فيه نافلةً، ولا وجه لتزهيد الناس في الخير، ولو كان المعرّسُ كسائر المنازل ما أنكر ابن عمر على نافع تأخّره عنه. وذكر حديث موسى بن عقبة، عن نافع، أن ابن