للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(أحدها): أنه حجّ مفردًا، لم يعتمر معه. حُكي هذا عن الإمام الشافعيّ وغيره. قال القسطلّاني في "المواهب": والذي ذهب إليه الشافعيّ في جماعة أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - حجّ مفردًا. وحكاه الزرقانيّ في "شرح المواهب" عن الإمام مالك. وحكي عن الشافعيّ وغيره أن نسبة القرآن والتمتّع إليه - صلى اللَّه عليه وسلم - على سبيل الاتساع؛ لكونه أمر بهما انتهى. وبه جزم الخطابيّ، حيث قال: اختلفت الروايات فيما كان النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - به محرمًا. والجواب عن ذلك أن كلّ راو أضاف إليه ما أمر به اتساعًا، ثم رجّح أنه كان أفرد الحجّ. قال الحافظ في "الفتح": هذا هو المشهور عند الشافعيّة، والمالكيّة، وقد بسط الشافعيّ القول فيه في اختلاف الحديث وغيره انتهى.

(القول الثاني): أنه لبّى بالعمرة وحدها، واستمرّ عليها حتى فرغ منها، ثم أحرم بعد ذلك بالحجّ، فكان متمتّعًا، وكان حجه حجّ تمتّع. قاله القاضي أبو يعلى وغيره.

(القول الثالث): أنه حجّ متمتّعًا تمتّعًا لم يحلّ فيه لأجل سوق الهدي، ولم يكن قارنًا. حكاه ابن القيّم عن صاحب "المغني" وغيره.

(القول الرابع): أنه لبّى بالحجّ وحده، وحج مفردًا، واعتمر بعده من التنعيم. قال الإمام ابن تيميّة: وهذا غلط، لم يقله أحد من الصحابة، ولا التابعين، ولا الأئمة الأربعة، ولا أحد من أهل الحديث انتهى. وقال الإمام ابن القيّم: الذين قالوا: إنه حجّ مفردًا، واعتمر عقبه من التنعيم، لا يُعلم لهم عذر البتّة، إلا أنهم سمعوا أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أفرد الحجّ، وأن عادة المفردين أن يعتمروا من التنعيم، فتوهموا أنه فعل كذلك.

(القول الخامس): أنه لبّى بالحجّ مفردًا، ثم أدخل عليه العمرة، وصار قارنًا، فكان مفردًا ابتداءً، وقارنًا انتهاءً. وبه جزم عامة محققي الشافعيّة، وبعض المالكيّة.

قال النوويّ في "شرح المهذّب": والصواب الذي نعتقده أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أحرم بالحجّ أوّلاً مفردًا، ثم أدخل عليه العمرة، فصار قارنًا، وإدخال العمرة على الحجّ جائز على أحد القولين عندنا، وعلى الأصحّ لا يجوز لنا، وجاز للنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - تلك السنة للحاجة انتهى.

واختاره القاضي عياض، إذ قال: أما إحرامه - صلى اللَّه عليه وسلم - بنفسه، فأخذ بالأفضل، فأحرم مفردًا للحجّ، تضافرت به الروايات "الصحيحة" وأما رواية من روى أنه كان متمتّعًا، فمعناه أمر به. وأما رواية من روى القران، فهو إخبار عن آخر أحواله، لا عن ابتداء إحرامه؛ لأنه أدخل العمرة على الحجّ لَمّا جاء إلى الوادي، وقيل له: "قل عمرة في حجة" انتهى.

قال الحافظ: وهذا الجمع هو المعتمد، وقد سبق إليه قديمًا ابن المنذر، ومهّده المحبّ الطبريّ تمهيدًا بالغًا، يطول ذكره، ومحصّله: أن كلّ من روى عنه الإفراد حمل