للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وحديثًا، أما قديمًا فالثابت عن عمر أنه قال: "إن أتمّ لحجكم وعمرتكم أن تنشؤوا لكلّ منهما سفرًا"، وعن ابن مسعود نحوه. أخرجه ابن أبي شيبة وغيره. وأما حديثًا فقد صرّح القاضي حسين، والمتولّي بترجيح الإفراد، ولو لم يعتمر في تلك السنة. وقال صاحب "الهداية" من الحنفيّة: الخلاف بيننا وبين الشافعيّ مبنيّ على أن القارن يطوف طوافًا واحدًا، وسعيًا واحدًا، فبهذا قال: إن الإفراد أفضل، ونحن عندنا أن القارن يطوف طوافين، وسعيين، فهو أفضل؛ لكونه أكثر عملاً.

وقال الخطّابيّ: اختلفت الرواية فيما كان النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - به محرمًا. والجواب عن ذلك بأن كلّ راو أضاف إليه ما أمر به اتساعًا، ثم رجّح بأنه كان أفرد الحجّ، وهذا هو المشهور عند المالكيّة، والشافعيّة، وقد بسط الشافعيّ القول فيه في "اختلاف الحديث" وغيره، ورجّح أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أحرم مطلقًا ينتظر ما يؤمر به، فنزل عليه الحكم بذلك، وهو على الصفا. ورجحوا الإفراد أيضًا بأن الخلفاء الراشدين واظبوا عليه، ولا يُظنّ بهم المواظبة على ترك الأفضل، وبأنه لم ينقل عن أحد منهم أنه كره الإفراد، وقد نقل عنهم كراهية التمتع، والجمع بينهما حتى فعله عليّ لبيان الجواز، وبأن الإفراد لا يجب فيه دم بالإجماع، بخلاف التمتع، والقران انتهى.

وهذا ينبني على أن دم القرآن دم جبران، وقد منعه من رجّح القرآن، وقال: إنه دم فضل وثواب، كالأضحيّة، ولو كان دم نقص لما قام الصيام مقامه، ولأنه يؤكل منه، ودم النقص لا يؤكل منه، كدم الجزاء. قاله الطحاويّ.

وقال عياض نحو ما قال الخطابيّ، وزاد: وأما إحرامه هو فقد تضافرت الروايات الصحيحة بأنه كان مفردًا. وأما رواية من روى متمتّعًا، فمعناه أمر به؛ لأنه صرّح بقوله: "ولولا أن معي الهدي لأحللت"، فصحّ أنه لم يتحلّل. وأما رواية من روى القران فهو إخبار عن آخر أحواله؛ لأنه أدخل العمرة على الحجّ لمّا جاء إلى الوادي، وقيل له: "قل: عمرة في حجة" انتهى.

قال الحافظ: وهذا الجمع هو المعتمد، وقد سبق إليه قديما ابن المنذر، وبيّنه ابن حزم في "حجة الوداع" بيانًا شافيًا، ومهّده المحبّ الطبريّ تمهيدًا بالغًا يطول ذكره، ومحصّله: أن كلّ روى عنه الإفراد حمل على ما أهلّ به في أول الحال، وكلّ من روى عنه التمتّع أراد ما أمر به أصحابه، وكل من روى عن القران أراد ما استقرّ عليه أمره، ويرجّح رواية من روى القرآن بأمور:

(منها): أن معه زيادة علم على من روى الإفراد وغيره. وبأن من روى الإفراد والتمتّع اختلف عليه في ذلك، فأشهر من روي عنه الإفراد عائشة، وقد ثبت عنها أنه