للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أن السلف كانوا يطلقون على القرآن تمتّعًا، ووجهه أن القارن يتمتّع بترك النَّصَبِ بالسفر مرّتين، فيكون المراد أن يجمع بينهما قرانًا، أو إيقاعًا لهما في سنة واحدة بتقديم العمرة على الحجّ. وقد رواه النسائيّ من طريق عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيّب بلفظ: "نهى عثمان عن التمتّع"، وزاد فيه: "فلبّى عليّ، وأصحابه بالعمرة، فلم ينههم عثمان، فقال له عليّ: ألم تسمع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - تمتّع؟، قال: بلى"، وله من وجه آخر: "سمعت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يلبّي بهما جميعًا"، زاد مسلم من طريق عبد اللَّه بن شقيق، عن عثمان، قال: "أجل، ولكنا كنّا خائفين".

قال النوويّ: لعله أشار إلى عمرة القضيّة سنة سبع، لكن لم يكن في تلك السنة حقيقة تمتّع، إنما كان عمرة وحدها.

قال الحافظ: هي رواية شاذّة، فقد روى الحديث مروان بن الحكم، وسعيد بن المسيّب، وهما أعلم من عبد اللَّه بن شقيق، فلم يقولا ذلك، والتمتّع إنما كان في حجة الوداع، وقد قال ابن مسعود -كما ثبت عنه في "الصحيحين" -: "كنّا آمن ما يكون الناس".

وقال القرطبيّ: قوله: "كنا خائفين" أي من أن يكون أجر من أفرد أعظم من أجر من تمتّع. كذا قال، وهو جمع حسن، ولكن لا يخفى بُعده.

ويحتمل أن يكون عثمان أشار إلى أن الأصل في اختياره - صلى اللَّه عليه وسلم - فسخ الحجّ إلى العمرة في حجة الوداع دفع اعتقاد قريش منع العمرة في أشهر الحجّ، وكان ابتداء ذلك بالحديبية؛ لأن إحرامهم بالعمرة كان في ذي القعدة، وهو من أشهر الحجّ، وهناك يصحّ إطلاق كونهم خائفين، أي من وقوع القتال بينهم وبين المشركين، وكان المشركون صدّوهم عن الوصول إلى البيت، فتحلّلوا من عمرتهم، وكانت أول عمرة وقعت في أشهر الحجّ، ثم جاءت عمرة القضيّة في ذي القعدة أيضًا، ثم أراد - صلى اللَّه عليه وسلم - تأكيد ذلك بالمبالغة فيه، حتى أمرهم بفسخ الحجّ إلى العمرة انتهى كلام الحافظ (١).

(قَالَ) عليّ - رضي اللَّه تعالى عنه - (بَلَى) هي حرف إيجاب، فإذا قيل: ما قام زيد، وقلت في الجواب: بلى، فمعناه: إثبات، وإذا قيل: أليس كان كذا، وقلت: بلى، فمعناه التقرير، والإثبات، ولا تكون إلا بعد نفي، فهو أبدًا يرفع حكم النفي، ويوجب نقيضه، وهو الإثبات. أفاده في "المصباح". والمعنى هنا: بلى كنت نهيت عن هذا (وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، يُلَبِّي بِهمَا جَمِيعًا) وهذا موضع الترجمة، حيث إنه يدلّ


(١) -"فتح" ٤/ ٢١٢.