ثم علّل ذلك الرجل أمره لأبي موسى بالتمهّل عن بعض فتياه بقوله (فَإِنَّكَ) الفاء تعليلية، أي لأنك (لَا تَدْرِي، مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ) عمر بن الخطّاب - رضي اللَّه عنه - (في النُّسُكِ) أي شأن النسك (بَعْدُ) بالضم، من الظروف المبنيّة على الضمّ؛ لقطعه عن الإضافة، ونيّة معناها: أي بعد ما كنت تعرفه من جواز التمتّع.
(حَتَّى لَقِيتُهُ) أي أمير المؤمنين - رضي اللَّه عنه - (فَسَأَلْتُهُ؟) وفي الرواية الآتية بعد حديثين: "فلما قدم قلت: يا أمير المؤمنين، ما هذا الذي أحدثت في شأن النسك؟ (فَقَالَ عُمَرُ) - رضي اللَّه تعالى عنه - (قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، قَدْ فَعَلَهُ) أي التمتّع، بمعنى القران، أو المراد التمتع المعروف، ومعناه أمر بفعله. وقال السنديّ: أي فلا نهي عنه لذاته، بل لأن الناس لا يؤدّون حقّ الحجّ لأجله انتهى (وَلَكِنْ كَرِهْتُ أَنْ يَظَلُّوا) بفتح التحتانيّة، والظاء، وتشديد اللام. قال الفيّوميّ: وظلّ يفعل كذا، من باب تَعِبَ ظُلُولاً: إذا فعله نهارًا. قال الخليل: لا تقول العرب: ظَلَّ إلا لعمل يكون بالنهار انتهى (مُعْرِسِينَ بِهنَّ) اسم فاعل من الإعراس، لا من التعريس، قال الفيّوميّ: وأعرس بامرأته بالألف: دخل بها، وأعرس عَمِلَ عُرْسًا، وأما عرّسَ بامرأته بالتثقيل على معنى الدخول، فقالوا: هو خطأ، وإنما يقال: عرّس: إذا نزل المسافر ليستريح نزلةً، ثم يرتحل. قال أبو زيد: وقالوا: عرّس القوم في المنزل تعريسًا: إذا نزلوا أيَّ وقت كان من ليل أو نهار، فالإعراس: دخول الرجل بامرأته، والتعريس: نزول المسافر ليستريح. انتهى. وضمير "بهنّ" للنساء بقرينة المقام، وإن لم يذكرن.
وقال القرطبي: ولا يصحّ أن يكون من التعريس؛ لأن الرواية بتخفيف العين والراء؛ ولأن التعريس إنما هو النزول من آخر الليل، كما تقدّم، ويناقضه قوله: "يظلون"، و"يرحون"، فإنهما إنما يقالان على عمل النهار انتهى (١).
وأراد عمر - رضي اللَّه عنه - وطأ النساء بعد التحلل من عمل العمرة. وقوله (في الأرَاكِ) متعلّق بقوله: "معرسين"، وهو بفتح الهمزة: شجر معروف ((ثُمَّ يَرُوحُوا بِالْحَجَّ) أي يذهبوا ملبين بالحجّ إلى مني، وعرفات (تَقْطُرُ رُءُوسُهُمْ) جملة في محلّ نصب على الحال من الفاعل.
وأراد بذلك أن الأفضل للحاجّ أن يتفرّق شعره، ويتغيّر حاله، والتمتع في حقّ غالب