وألبّ: إذا أقام فيه، ولزمه. قال ابن الأنباريّ: وبهذا قال الخليل، والأحمر، وقال إبراهيم الحربيّ: معنى "لبيك" قربًا منك، وطاعة، والإلباب: القرب. وقال أبو نصر: معناه: أنا مُلبّ بين يديك، أي خاضع. حكى هذه الأقوال القاضي عياض، وغيره.
قال الزمخشريّ في "الفائق": وهو منصوب على المصدر، للتكثير، ولا يكون عامله إلا مضمرًا، كأنه قال: أُلِبُّ إلبابًا بعد إلباب.
قال ابن عبد البرّ: ومعنى "التلبية": إجابة اللَّه فيما فرض عليهم من حجّ بيته، والإقامة على طاعته، فالمحرم بتلبيته مستجيب لدعاء اللَّه إياه في إيجاب الحجّ عليه، ومن أجل الاستجابة -واللَّه أعلم- لبّى؛ لأن من دُعي، فقال: لبيك، فقد استجاب. ثم قال: وقال جماعة، من أهل العلم: إن معنى التلبية إجابة إبراهيم - عليه السلام - حين أذّن في الناس بالحجّ. وقال القاضي عياض: قيل: وهذه الإجابة لقوله تعالى لإبراهيم - عليه السلام -: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} انتهى.
قال الحافظ: وهذا أخرجه عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم بأسانيدهم في "تفاسيرهم" عن ابن عبّاس، ومجاهد، وعطاء، وعكرمة، وقتادة، وغير واحد، والأسانيد إليهم قويّة، وأقوى ما فيه عن ابن عباس ما أخرجه أحمد بن منيع في "مسنده"، وابن أبي حاتم من طريق قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عنه، قال:"لما فرغ إبراهيم - عليه السلام - من بناء البيت، قيل له: أذّن في الناس بالحجّ، قال: ربّ، وما يبلغ صوتي؟، قال: أذّن، وعلي البلاغ، قال: فنادى إبراهيم: يا أيها الناس كتب عليكم الحجّ إلى البيت العتيق، فسمعه من بين السماء والأرض، أفلا ترون أن الناس يجيئون من أقصى الأرض، يُلبّون".
ومن طريق ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عبّاس، وفيه:"فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال، وأرحام النساء، وأول من أجاب أهل اليمن، فليس حاجّ يحجّ من يومئذ إلى أن تقوم الساعة إلا من كان أجاب إبراهيم يومئذ".
قال ابن المنيّر في "الحاشية": وفي مشروعيّة التلبية تنبيه على إكرام اللَّه تعالى لعباده بأن وفودهم على بيته إنما كان باستدعاء منه سبحانه وتعالى انتهى ما في "الفتح" بزيادة من "طرح التثريب"(١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب.