ينوي بذلك الإحرام فهو محرم.
(رابعها): أنها ركن في الإحرام، لا ينعقد بدونها، حكاه ابن عبد البرّ عن الثوريّ، وأبي حنيفة، وابن حبيب من المالكيّة، والزبيريّ من الشافعيّة، وأهل الظاهر، قالوا: هي نظير تكبيرة الإحرام للصلاة. ويقوّيه ما تقدّم من بحث ابن عبد السلام عن حقيقة الإحرام، وهو قول عطاء، أخرجه سعيد بن منصور، بإسناد صحيح عنه، قال: التلبية فرض الحجّ. وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر، وطاوس، وعكرمة. وحكى النوويّ عن داود أنه لا بدّ من رفع الصوت بها، وهذا قدر زائد على أصل كونها ركنًا انتهى ما في "الفتح" (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: أرجح الأقوال عندي قول من قال بوجوب التلبية في الحجّ، أو العمرة مع ركع الصوت؛ لحديث خلاّد بن السائب، عن أبيه - رضي اللَّه عنه - الآتي في الباب التالي، عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، قال: جاءني جبريل، فقال: يا محمد مُر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية". وهو حديث صحيح، والأمر للوجوب.
ثم إن هذا الوجوب يحصل بمرة واحدة عند الإحرام، فما زاد على ذلك يكون سنة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
٢٧٤٨ - (أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ, قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ, قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدًا, وَأَبَا بَكْرٍ: ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ, أَنَّهُمَا سَمِعَا نَافِعًا, يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ, عَنِ النَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم -, أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ, إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ, لَا شَرِيكَ لَكَ»).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد رجال الصحيح، وكلهم تقدّموا، غير:
١ - (أبي بكر بن محمد بن زيد) بن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب العدويّ المدنيّ، ثقة، من كبار [٧].
روى عن عن أبيه، وعم أبيه سالم، ونافع مولى ابن عمر. وعنه أخوه عمر، وابن أخيه عثمان بن واقد، وشعبة، وعطّاف بن خالد.
قال أبو حاتم: ثقة لا بأس به، لا يسمّى. قال الواقديّ: مات بعد خروج محمد بن عبد اللَّه بن حسن. وقيل: سنة (١٥٠). تفرّد به المصنّف بحديث الباب فقط.
والحديث متفق عليه، وقد سبق تمام البحث فيه في الذي قبله. واللَّه تعالى وليّ
(١) - "فتح" ٤/ ١٩٤.