رواية إبراهيم لاضطرابها. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في بيان مُتمسَّك كلّ مذهب من هذه المذاهب:
قال الحافظ وليّ الدين -رحمه اللَّه تعالى-: من قال بالجواز تمسّك بهذا الحديث، ورأى أن الأمر به ترخيص، وتوسعة، وتخفيف، ورفق، وأنه يتعلّق بمصلحة دنيوية، وهي ما يحصل لها من المشقّة بمصابرة الإحرام مع المرض.
ومن قال بالاستحباب رأى المصلحة فيه دينيّة، وهو الاحتياط للعبادة، فإنها بتقدير عدمه قد يعرض لها مرض يُشَعّث العبادة، ويوقع فيها الخلل، وهذا بعيد.
ومن قال بالوجوب حمل الأمر على حقيقته، وهو أبعد من الذي قبله، ولو كان واجبًا لما أخلّ النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بفعله، ولا الصحابة - رضي اللَّه عنهم -، ولو فعلوا ذلك في حجة النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لنقل، وقد صرّح ابن عمر بأنه لم يشترط، كما تقدّم ذكره، ولما لم يأمر به إلا هذه المرأة الواحدة بعد شكايتها له علمنا أن ذلك ترخيص حرّك ذكره هذا السبب، وهو شكواها.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: القول بالوجوب يحتاج إلى ثبوته، كما أسلفته. واللَّه تعالى أعلم.
ومن قال بالإنكار منهم من ضعّف الحديث كما تقدّم ذكره، ورده. ومنهم من أوله، وفي تأويله أوجه:
(أحدها): أنه خاصّ بضباعة، حكاه الخطّابيّ عن بعضهم، قال: وقال: يشبه أن يكون بها مرض، أو حال كان غالب ظنها أنه يعوقها عن إتمام الحجّ، وهذا كما أذن لأصحابه في رفض الحجّ، وليس ذلك لغيرهم.
وقال النوويّ في "شرح مسلم" بعد ذكره هذا المذهب: وحملوا الحديث على أنها قضية عين، وأنه مخصوص بضباعة، وحكاه في "شرح المهذّب" عن الرويانيّ من الشافعيّة، ثمِ قال: وهذا تأويل باطلٌ، ومخالف لنصّ الشافعيّ، فإنه إنما قال: لو صحّ الحديث لم أعْدُهُ، ولم يتأوله، ولم يخصّه.
(الثاني): أن معناه: محلي حيث حبستني بالموت، أي إذا أدركتني الوفاة انقطع إحرامي. حكاه النوويّ في "شرح المهذّب" عن إمام الحرمين، ثم قال: وهذا تأويل ظاهر الفساد، وعجبت من جلالة الإمام كيف قاله؟.
(الثالث): أن المراد التحلل بعمرة، لا مطلقًا، حكاه المحبّ الطبريّ عن بعضهم. ويردّه حديث ضباعة المتقدّم، حيث قال لها: "قولي: اللَّهم إني أريد الحجّ إن أذنت لي به، وأعنتني عليه، ويسرته لي، وإن حبستني، فعمرة، وإن حبستني عنهما جميعًا،