للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

خَلأت القصواء، فقال النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بِخُلُق، ولكن حبسها حابس الفيل، ثم قال: والذي نفسي بيده، لا يسألوني خُطّة (١)، يُعَظِّمون فيها حرمات اللَّه، إلا أعطيتهم إياها"، ثم زجرها، فوثبت، قال: فعدل عنهم، حتى نزل بأقصى الحديبية، على ثَمَد (٢)، قليل الماء، يَتَبَرَّضُهُ الناس تَبَرُّضًا (٣)، فلم يُلبثه الناس، حتى نزحوه، وشُكي إلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - العطشُ، فانتزع سهما من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فواللَّه ما زال يَجِيش (٤) لهم بالرَّيّ، حتى صدروا عنه، فبينما هم كذلك، إذ جاء بُديل بن ورقاء الخزاعي، في نفر من قومه، من خزاعة، وكانوا عَيْبَة نصح رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - (٥)، من أهل تهامة، فقال: إني تركت كعب بن لؤي، وعامر بن لؤي، نزلوا أعداد مياه الحديبية، ومعهم الْعُوذُ المطافيل (٦)، وهم مقاتلوك، وصادّوك عن البيت، فقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشا قد نهكَتهم الحرب، وأضرت بهم، فإن شاءوا ماددتهم مدة، ويخلوا بيني وبين الناس، فإن أظهر، فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس، فعلوا، وإلا فقد جموا (٧)، وإن هم أبوا، فوالذي نفسي بيده، لأقاتلنهم على أمري هذا، حتى تنفرد سالفتي، وليُنفذن اللَّه أمره"، فقال بديل: سأبلغهم ما تقول، قال: فانطلق، حتى أتى قريشا، قال: إنا قد جئناكم من هذا الرجل، وسمعناه يقول قولا، فإن شئتم أن نَعرِضه عليكم فعلنا، فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا، أن تخبرنا عنه بشيء، وقال ذوو الرأي منهم: هات ما سمعته يقول، قال: سمعته يقول: كذا وكذا، فحدثهم بما قال النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقام عروة بن مسعود، فقال: أي قوم، ألستم با لوالد، قالوا: بلى، قال: أولست بالولد، قالوا: بلى، قال: فهل تتهموني، قالوا: لا، قال: ألستم تعلمون، أني استنفرت أهل عكاظ، فلما بَلّحوا عليّ، جئتكم بأهلي وولدي، ومن أطاعني، قالوا: بلى، قال: فإن هذا قد عرض لكم خطة رشد، اقبلوها، ودعوني آتيه، قالوا: ائته، فأتاه، فجعل يكلم النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقال النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - نحوا من قوله لبديل، فقال عروة عند ذلك: أي محمد، أرأيت إن استأصلت أمر قومك، هل سمعت بأحد من العرب، اجتاح أهله قبلك وإن تكن الأخرى فإني


(١) - أي خصلة.
(٢) - أي حفيرة فيها ماء مثمود، أي قليل.
(٣) - أي يأخذون منه قليلاً قليلاً.
(٤) - أي يفور.
(٥) - أي موضع النصح له، والأمانة على سرّه.
(٦) - العُوذ بالضم جم عائذ: وهي الناقة ذات اللبن. والمطافيل الأمهات التي معها أطفالها.
(٧) -أي استراحوا.