للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[مسالة]: في اختلاف أهل العلم في حكم تقليد الغنم:

قال الحافظ وليّ الدين -رحمه اللَّه تعالى-: واختلفوا في استحباب تقليد الغنم، فقال به الشافعيّ، وأحمد، والجمهور، ورواه ابن أبي شيبة عن عائشة، وعن ابن عباس: "لقد رأيت الغنم يؤتى بها مقلّدة"، وعن أبي جعفر: "رأيت الكباش مقلّدة"، وعن عبد اللَّه بن عبيد بن عمير: "إن الشاة كانت تقلّد"، وعن عطاء: "رأيت أناسًا من أصحاب النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - يسوقون الغنم مقلّدة". وحكاه ابن المنذر عن إسحاق، وأبي ثور، قال: وبه أقول، وإليه ذهب ابن حبيب من المالكية.

وذهب آخرون إلى أنها لا تُقلّد كما أنها لا تُشعر، وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك، وحكاه ابن المنذر عن أصحاب الرأي. ورواه ابن أبي شيبة عن ابن عمر، وسعيد بن جبير، ويوافقه كلام البخاريّ، فإنه بوّب على هذا الحديث: "فتل القلائد للبدن والبقر"، فحمل الحديث عليهما, ولم يذكر للغنم. انتهى كلام وليّ الدين باختصار (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله عن البخاريّ غير صحيح، "فقد بوّب البخاريّ بعد بابين لتقليد الغنم، فقال: "باب تقليد الغنم".

وقد ذكر الحافظ كلام وليّ الدين هذا، من غير تصريح باسمه، فقال: أخذ بعض المتأخرين من اقتصار البخاريّ في هذه الترجمة على الإبل، والبقر أنه موافق لمالك، وأبي حنيفة في أن الغنم لا تقلّد، وغفل هذا المتأخر عن أن البخاريّ أفرد ترجمة لتقليد الغنم بعد أبواب يسيرة، كعادته في تفريق الأحكام في التراجم انتهى كلام الحافظ (٢).

وقال في "الفتح": قال ابن المنذر: أنكر مالك، وأصحاب الرأي تقليدها، زاد: وكأنهم لم يبلغهم الحديث، ولم نجد لهم حجة إلا قول بعضهم: إنها تضعف عن التقليد، وهي حجة ضعيفة؛ لأن المقصود من التقليد العلامة، وقد اتفقوا على أنها لا تُشعَر؛ لأنها ضعيفة عنه، فتقلّد بما لا يُضعفها. والحنفيّة في الأصل يقولون: ليست الغنم من الهدي، فالحديث حجة عليهم من جهة أخرى.

وقال ابن عبد البرّ: احتجّ من لم ير بإهداء الغنم بأنّه - صلى اللَّه عليه وسلم - حجّ مرّة واحدة، ولم يهد فيها غنمًا انتهى.

قال الحافظ: وما أدري ما وجه الحجة منه؛ لأن حديث الباب دالّ على أنه أرسل بها، وأقام، وكان ذلك قبل حجته قطعًا، فلا تعارض بين الفعل والترك؛ لأن مجرّد الترك لا يدلّ على نسخ الجواز.


(١) - "طرح التثريب" ٥/ ١٥٠ - ١٥١.
(٢) - "فتح" ٤/ ٣٦٤.