وفي الحديث من الفوائد تناول الكبير الشيء بنفسه، وإن كان له من يكفيه، إذا كان مما يُهتمّ به، ولا سيما ما كان من إقامة الشرائع، وأمور الدين. وفيه تعقّب بعض العلماء على بعض، وردّ الاجتهاد بالنصّ، وأن الأصل في أفعاله - صلى اللَّه عليه وسلم - التأسّي به حتى تثبت الخصوصيّة انتهى (١).
والحديث متّفقٌ عليه، وقد تقدم شرحه، والكلام على مسائله، فما بقي إلا الكلام على ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، فنقول:
[مسألة]: في اختلاف أهل العلم في أن تقليد الهدي، وإرساله هل يوجب إحرامًا، أم لا؟:
ذهب جمهور العلماء من السلف، والخلف، ومنهم الأئمة الأربعة إلى أن من أرسل هديًا إلى الكعبة لا يصير محرمًا بمجرّد ذلك، ولا يجري عليه حكم الإحرام، ولا يلزمه أن يجتنب شيئًا مما يجتنبه المحرم، وسواء قلّد هديه، أم لم يقلّده.
وذهبت طائفة إلى أنه يصير محرمًا بذلك. قال ابن المنذر: كان ابن عمر يقول: إن قلّد هديه، فقد أحرم، وبه قال النخعيّ، والشعبيّ، وقال عطاء: سمعنا ذلك. وقال الثوريّ، وأحمد، وإسحاق: إذا قلّد هديه، فقد أحرم، وبه قال النخعيّ، والشعبيّ، وقال عطاء: وجب عليه، وبه قال أصحاب الرأي انتهى.
قال وليّّ الدين: وحاصل كلامه قولان: أحدهما: أن يصير محرما. والثاني: أنه يجب عليه الإحرام، وعدّهما ابن المنذر قولاً واحدًا، فإنه قال بعد ذلك: وفيه قول ثالث، فحكى المذهب المشهور، وكأن مراد الأخيرين وجب عليه حكم الإحرام؛ لأنه قد صار محرمًا، فتتحد المقالتان حينئذ.
وقال الخطاّبيّ عن أصحاب الرأي تفريعًا على ما تقدّم نقله عنهم: فإن لم تكن له نية فهو بالخيار بين حجّ وعمرة.
وروى ابن أبي شيبة أنه إذ قلّد هديّة، فقد أحرم عن ابن عمر، وابن عباس، والشعبيّ، وسعيد بن جبير، وسعد بن قيس، وميمون بن أبي شبيب، وأنه إذا قلّد فقد وجب عليه الإحرام عن ابن عباس، وهذا يدلّ على التأويل الذي قدّمته، وأن المراد بالعبارتين شيء واحد لكونهما معًا عن ابن عباس.
وروى ابن أبي شيبة أنه إذا قلّد، وهو يريد الإحرام، فقد أحرم عن ابن عباس، وأبي