السباع، والحيّات، وبين سباع الطير، وبين سباع ذوات الأربع، وقال: هلاً قاسوا سباع الطير على الحدأة، كما قاسوا سباع ذوات الأربع على الكلب العقور؟.
وقوّى الشيخ تقيّ الدين في "شرح العمدة" التعليل بالأذى على التعليل بحرمة الأكل، فقال:(واعلم): أن التعدية بمعنى الأذى إلى كلّ مؤذ قويّ بالإضافة إلى تصرّف القياسيين، فإنه ظاهر من جهة الإيماء بالتعليل بالفسق، وهو الخروج عن الحدّ، وأما التعليل بحرمة الأكل، ففيه إبطال ما دلّ عليه إيماء النصّ، من التعليل بالفسق؛ لأن مقتضى العلة أن يتقيّد الحكم بها وجودًا وعدمًا، فإن لم يتقيّد وثبت الحكم عند عدمها بطل تأثيرها بخصوصها، وهو خلاف ما دلّ عليه ظاهر النصّ من التعليل بها انتهى.
(الثالث مذهب الحنفيّة): اقتصروا على الخمس المذكورة في هذا الحديث إلا أنهم ضمّوا إليها الحية أيضًا، وهي منصوصة، كما تقدّم، وضموا إليها الذئب أيضًا، قال صاحب "الهداية" منهم: وقد ذكر الذئب في بعض الروايات. وقيل: المراد بالكلب العقور الذئب، ويقال: إن الذئب في معناه انتهى. وعلى هذا الأخير، فيقال: لم اقتصر في الإلحاق على الذئب، ولم لا ألحق بالكلب العقور كلّ ما هو في معناه من نمر، وخنزير، ودبّ، وقرد، وغيرها، وذكر الذئب ذكره ابن عبد البرّ من طريق إسماعيل القاضي، حدثنا نصر بن عليّ، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا الحجاج، عن وَبَرة، قال: سمعت ابن عمر يقول: "أمر رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بقتل الذئب … " الحديث. قال القاضي إسماعيل: فإن كان محفوظًا، فإن ابن عمر جعل الذئب في هذا الموضع كلبًا عقورًا، أي لذكره بدله، قال: وهذا غير ممتنع في اللغة، والمعنى. ورواه البيهقيّ من رواية مالك بن يحيى، عن يزيد بن هارون، وفيه: قال يزيد بن هارون: -يعني المحرم- ثم قال البيهقيّ: الحجاج بن أرطأة لا يحتجّ به. وقد رويناه من حديث ابن المسيّب مرسلاً جيدًا، ثم رواه كذلك. وقال ابن عبد البرّ: وقول الأوزاعيّ، والثوريّ، والحسن بن حيّ نحو قول أبي حنيفة انتهى.
ومحلّ المنع عند الحنفيّة فيما عدا الخمس، والذئب إذا لم تبدأه السباع، فإن بدأته، فقتلها دفعًا، فلا شيء عليه عندهم، إلا زفر، فإنه قال: يلزمه دم. وذكر الشيخ ابن دقيق العيد في "شرح العمدة" أن المذكور في كتب الحنفيّة الاقتصار على الخمس، ونقل غير واحد من المصنفين المخالفين لأبي حنيفة أن أبا حنيفة ألحق الذئب بها، وعَدُّوا ذلك من مناقضاته، ثم قال: ومقتضى مذهب أبي حنيفة الذي حكيناه أنه لا يجوز اصطياد الأسد، والنمر، وما في معناها من بقية السباع العادية، والشافعية يردون هذا بظهور المعنى في المنصوص عليه من الخمس، وهو الأذى الطبيعيّ، والعدوان المركب في