الفأرة بالنقب مثلاً، أو الحدأة بخطف شيء يسير، لا يساوي ما في الأسد، والفهد، من إتلاف النفس، فكان بإباحة القتل أولى انتهى.
ولم يعرّج على ذكر الحديث الشامل لسائر السباع، وهو قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "يقتل المحرم السبع العادي"، وقد تقدّم ذكره.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: تقدم أنه ضعيف، لا يصلح للاحتجاج به، فتنبّه. وقال ابن حزم: فإن قيل: فما وجه اقتصار رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - على هذه الخمس؟. قلنا: ظاهر الخبر يدلّ على أنها محضوض على قتلهنّ، مندوب إليه، ويكون غيرهنّ مباحا قتله أيضًا، وليس هذا الخبر مما يمتنع أن يكون غير تلك الخمس مأمورًا بقتله أيضًا، كالوزغ، والأفاعي، والحيات، والرتيلاء، والثعابين، وقد يكون - صلى اللَّه عليه وسلم - تقدّم بيانه في هذه، فأغنى عن إعادتها عند ذكره هذه الخمس. انتهى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): قال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى- في "شرح مسلم": وفي هذه الأحاديث دلالة للشافعيّ، وموافيقه في أنه يجوز أن يقتل في الحرم كل من يجب عليه قتل بقصاص، أو رجم بالزنا، أو قتل في المحاربة، وغير ذلك، وأنه يجوز إقامة كلّ الحدود فيه، سواء كان موجبُ القتل والحدّ جرى في الحرم، أو خارجه، ثم لجأ صاحبه إلى الحرم. وهذا مذهب مالك، والشافعيّ، وآخرين.
وقال أبو حنيفة، وطائفة: ما ارتكبه من ذلك في الحرم يقام عليه فيه، وما فعله خارجًا، ثم لجأ إليه، إن كان إتلاف نفس لم يُقَم عليه في الحرم، بل يضيق عليه، ولا يُكلّم، ولا يُجالَس، ولا يبايع، حتى يضطرّ إلى الخروج منه، فيقام خارجه، وما كان دون النفس يقام فيه. قال القاضي: روي عن ابن عباس، وعطاء، والشعبيّ، والحكم نحوه، لكنهم لم يفرّقوا بين النفس، ودونها، وحجتهم قول اللَّه تعالى:{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}[آل عمران: ٩٧].
وحجة الأولين هذه الأحاديث لمشاركة فاعل الجناية لهذه الدوابّ في اسم الفسق، بل فسقه أفحش؛ لكونه مكلفًا؛ ولأن التضييق الذي ذكروه لا يبقى لصاحبه أمان، فقد خالفوا ظاهر ما فسّروا به الآية.
قال القاضي: ومعنى الآية عندنا، وعند أكثر المفسّرين أنه إخبار كما كان قبل الإسلام، وعطف على ما قبله من الآيات. وقيل: آمِنٌ من النار.
وقالت طائفة: يخرج، ويقام عليه الحدّ، وهو قول ابن الزبير، والحسن، ومجاهد،