للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وَهُوَ مُحْرِم، بِلَحْي جَمَلٍ) بفتح اللام، ويجوز كسرها، وسكون الحاء المهملة، وياء مثنّاة تحتيّة، وفي بعضَ الروايات: "بلحيي جمل" أي بياءين بصيغة التثنية، و"جمل" -بفتح الجيم، والميم-: اسم موضع بطريق مكة، كما بيّنه هنا. قال الحافظ: ذكر البكريّ في "معجمه" في رسم العقيق، قال: هي بئر جمل التي ورد ذكرها في حديث أبي جهم في "التيمم". وقال غيره -يعني ابن وضاح- هي عقبة الجحفة على سبعة من السُّقيا انتهى.

وقال صاحب "القاموس": "لَحْيُ جمل": موضع بين الحرمين، وإلى المدينة أقرب.

وزعم أن السقيا -بالضم-: موضع بين المدينة، ووادي الصفراء. وما ظنه بعضهم من أن المراد بلحي جمل أحد فَكَّي الجمل الذي هو ذكر الإبل، وأن فكّه كان هو آلة الحجامة، أي احتجم بعظم جمل، فهو غلط، لا شكّ فيه.

وجزم الحازميّ وغيره بأن ذلك كان في حجة الوداع (١) وقوله (مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ) بيان لموقع "لحي جمل". وهذا الحديث صرح بأن حجامته - صلى اللَّه عليه وسلم - كانت في رأسه، وصرّح في حديث أنس الماضي أنها كانت على ظهر قدمه، وفي حديث جابر المتقدم قبل باب في رواية أحمد أنها كانت بوركه، أو ظهره، والجمع بين هذه الروايات أن تحمل على أنها تعدّدت الحجامة منه - صلى اللَّه عليه وسلم -.

قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: اتفقت الروايات عن ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما - أنه احتجم - صلى اللَّه عليه وسلم - وهو محرم في رأسه، ووافقها حديث ابن بُحينة - رضي اللَّه عنه -، وخالف ذلك حديث أنس - رضي اللَّه عنه -، أخرجه أبو داود، والترمذيّ، في "الشمائل"، والنسائيّ، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان من طريق معمر، عن قتادة، عنه، قال: "احتجم النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - وهو محرم، على ظهر القدم، من وجع كان به". ورجاله رجال الصحيح، إلا أن أبا داود حكى عن أحمد أن سعيد بن أبي عروبة، رواه عن قتادة، فأرسله، وسعيد أحفظ من معمر. وليست هذه بعلة قادحة، والجمع بين الحديثين واضح بالحمل على التعدد، أشار إلى ذلك الطبريّ انتهى (٢). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسألتان تتعلقان بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث عبد اللَّه ابن بُحينة - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا متّفق عليه.

(المسألة الثانية): في بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:


(١) - "فتح" ٤/ ٥٢٧.
(٢) - راجع "المرعاة" ١٠/ ٣٨٤. ونقلته ببعض تصرّف.