للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ابن مهران، عن عمير مولى ابن عباس، عن أسامة، قال: "دخلت على رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - في الكعبة، فرأى صورًا، فدعا بدلو من ماء، فأتيته به، فضرب به الصور". فهذا الإسناد جيد. قال القرطبيّ: فلعله استصحب النفي لسرعة عوده. انتهى.

قال الحافظ: وهو مفرّعٌ على أن هذه القصّة وقعت عام الفتح، فإن لم يكن، فقد رَوَى عمر بن شبة في "كتاب مكة" من طريق عليّ بن بَذِيمة -وهو تابعيّ، وأبوه بفتح الموحدة، معجمة، وزان عظيمة- قال: "دخل النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - الكعبة، ودخل معه بلال، وجلس أسامة على الباب، فلما خرج وجد أسامة قد احتبى، فأخذ بحبوته، فحلّها … " الحديث. فلعله احتبى، فاستراح، فنعس، فلم يشاهد صلاته، فلما سئل عنها نفاها، مستصحبًا للنفي لقصر زمن احتبائه. وفي كلّ ذلك إنما نفى رؤيته، لا ما في نفس الأمر.

ومنهم من جمع بين الحديثين بغير ترجيح أحدهما على الآخر، وذلك من أوجه:

[أحدها]: حمل الصلاة المثبتة جملى اللغوية، والمنقيّة على الشرعيّة، وهذه طريقة من يكره الصلاة داخل الكعبة، فرضًا ونفلاً، وقد تقدّم البحث فيه في "كتاب المساجد" -٥/ ٦٩٢ - ويردّ هذا الحمل ما تقدّم في بعض طرقه من تعيين قدر الصلاة، فظهر أن المراد بها الشرعيّة، لا مجرّد الدعاء.

[ثانيها]: قال القرطبيّ: يمكن حمل الإثبات على التطوع، والنفي على الفرض، وهذه طريقة المشهور من مذهب مالك، وقد تقدّم البحث فيها.

[ثالثها]: قال المهلّب شارح البخاريّ: يحتمل أن يكون دخول البيت وقع مرّتين، صلّى في إحداهما، ولم يصلّ في الأخرى.

وقال ابن حبّان: الأشبه عندي في الجمع أن يجعل الخبران في وقتين، فيقال: لما دخل الكعبة في الفتح صلّى فيها على ما رواه ابن عمر عن بلال. ويجعل نفي ابن عباس الصلاة في الكعبة في حجته التي حجّ فيها؛ لأن ابن عباس نفاها، وأسنده إلى أسامة، وابن عمر أثبتها، وأسند إثباته إلى بلال، والى أُسامة أيضًا، فإذا حمل الخبر على ما وصفنا بطل التعارض. قال الحافظ: وهذا جمع حسنٌ.

لكن تعقّبه النوويّ بأنه لا خلاف أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - دخل في يوم الفتح، لا في حجة الوداع، ويشهد له ما روى الأزرقيّ في "كتاب مكة" عن سفيان، عن غير واحد من أهل العلم أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - إنما دخل الكعبة مرّة واحدةً، عام الفتح، ثم حجّ، فلم يدخلها، وإذا كان الأمر كذلك، فلا يمتنع أن يكون دخلها عام الفتح مرتين، ويكونَ المراد بالواحدة التي في خبر ابن عيينة وحدة السفر، لا الدخول.