للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي "صحيح مسلم" من طريق أبي أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: كانت العرب تطوف بالبيت عراة، إلا الحمس، والحمس قريش، وما ولدت، كانوا يطوفون عراة، إلا أن تعطيهم الحمس ثيابا، فيعطي الرجال الرجال، والنساء النساء، وكانت الحمس لا يخرجون من المزدلفة، وكان الناس كلهم يبلغون عرفات.

وفي غير مسلم: ويقولون: نحن أهل الحرم، فلا ينبغي لأحد من العرب أن يطوف إلا في ثيابنا، ولا يأكل إذا دخل أرضنا إلا من طعامنا، فمن لم يكن له من العرب صديق بمكة يُعيره ثوبًا، ولا يَسارٌ يستأجره به كان بين أحد أمرين: إما أن يطوف بالبيت عريانًا، وإما أن يطوف في ثيابه، فإذا فرغ من طوافه ألقى ثوبه عنه، فلم يمسّه أحد، وكان ذلك الثوب يسمى اللَّقَى، حتى قال شاعر العرب [من الطويل]:

كَفَى حَزَنًا كَرِّي عَلَيْهِ كَأَنَّهُ … لَقى بَيْنَ أَيْدِي الطائِفَينَ حَرِيمُ

فكانوا على تلك الجهالة، والبدعة، والضلالة، حتى بعث اللَّه نبيه محمدًا - صلى اللَّه عليه وسلم -، فأنزل اللَّه تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: ٣١]، وأذّن مؤذّن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - ألا يطوف بالبيت عريان (١).

وذكر ابن إسحاق أن قريشًا ابتدعت قبل الفيل، أو بعده أن لا يطوف بالبيت أحد، ممن يَقْدَم عليهم من غيرهم أوّل ما يطوف إلا في ثياب أحدهم، فإن لم يجد طاف عريانًا، فإن خالف، وطاف بثيابه ألقاها إذا فرغ، ثم لم ينتفع بها، فجاء الإسلام، فهدم ذلك كله (٢).

(تَقُولُ) أي تنشد تلك المرأة هذا الشعر [من بحر الرجز]:

(الْيَوْمَ) أي يوم الطواف، وهو منصوب على الظرفية متعلّق بقوله (يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ) أي ينكشف كلّ الفرج، أو بعضه، فالضمير يعود للفرج (وَمَا بَدَا مِنْهُ) أي ما ظهر من الفرج (فَلَا أُحِلُّهُ) بضم الهمزة، أي لا أجيز لأحد أن ينظر إليه قصدًا.

وحاصل كلامها: أنها كشفت فرجها لضرورة الطواف، لا لإباحة النظر إليه، والاستمتاع به، فليس لأحد أن يفعل ذلك.

(قَالَ) ابن عباسّ - رضي اللَّه تعالى عنهما - (فَنَزَلَتْ: {يَا بَنِي آدَمَ} قال أبو عبد اللَّه القرطبيّ في "تفسيره": هو خطاب لجميع العالم، وإن كان المقصود بها من كان يطوف من العرب بالبيت عريانًا، فإنه عامّ في كلّ مسجد؛ لأن العبرة للعموم، لا للسبب (٣) {خُذُوا زِينَتَكُمْ} أي ما يستر عورتكم {عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} أي عند الصلاة، والطواف واللَّه


(١) - "المفهم" ٧/ ٣٤٦. و"تفسير القرطبيّ" ٧/ ١٨٩.
(٢) - "فتح" ٤/ ٢٨٧.
(٣) - "الجامع لأحكام القرآن" ٧/ ١٨٩.