للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رجال الصحيح، غير شيخه، فمن أفراده. (ومنها): أنه مسلسل بالمدنيين، غير شيخه، وسفيان، فمكيّان. (ومنها): أن فيه رواية تابعي عن تابعيّ. (ومنها): أن عروة من الفقهاء السبعة. (ومنها): أن فيه عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - من المكثرين السبعة، روت (٢٢١٠) أحاديث. واللَّه تعالى أعلم.

شرح الحديث

(عَنْ عُرْوَةَ) بن الزبير، أنه (قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى عَائِشَةَ) أم المؤمنين - رضي اللَّه تعالى - عنها، وهي خالته، وقوله ({فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة:١٥٨]) مفعول قرأت؛ لقصد لفظه، أي قرأت عليها قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ} الآية [البقرة: ١٥٨] (قُلْتُ: مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَطُوفَ بَيْنَهُمَا) أي لا أهتمّ، ولا أكترث في عدم الطواف بين الصفا والمروة؛ لأن اللَّه تعالى قال: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (فَقَالَتْ) عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - (بئْسَمَا قُلْتَ) أي بئس القول قولك هذا؛ حيث لم تفهم مدلول الآية، واحتججت بها على ما لا تكون دليلا عليه، وخالفت سنة رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - من الطواف بهما.

زاد في الرواية التالية: "يا ابن أختي إن هذه الآية، لو كانت كما أولتها، كانت: فلا حناح عليه أن لا يطّوّف بهما".

ومحصل كلام عروة -رحمه اللَّه تعالى- أنه احتجّ للإباحة باقتصار الآية على رفع الجناح، فلو كان واجبًا لما اكتفى بذلك؛ لأن رفع الإثم علامة المباح، ويزداد المستحبّ بإثبات الأجر، ويزداد الوجوب عليهما بعقاب التارك.

وحاصل جواب عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - أن الآية ساكتة عن الوجوب وعدمه، مصرّحة برفع الإثم عن الفاعل، وأما المباح فيحتاج إلى رفع الإثم عن التارك، والحكمة في التعبير بذلك مطابقة جواب السائلين؛ لأنهم توهّموا من كونهم كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية أنه لا يستمرّ في الإسلام، فخرج الجواب مطابقًا لسؤالهم، وأما الوجوب فيستفاد من دليل آخر. ولا مانع أن يكون الفعل واجبًا، ويعتقد إنسان امتناع إيقاعه على صفة مخصوصة، فيقال له: لا جناح عليك في ذلك، ولا يستلزم ذلك نفي الوجوب، ولا يلزم من نفي الإثم عن الفاعل نفي الإثم عن التارك، فلو كان المراد مطلق الإباحة لنفي الإثم عن التارك.

وقد وقع في بعض الشواذّ باللفظ الذي قالت عائشة أنها لو كانت للإباحة لكانت كذلك. حكاه الطبريّ، وابن أبي داود في "المصاحف"، وابن المنذر، وغيرهم عن أبيّ ابن كعب، وابن مسعود، وابن عباس. وأجاب الطبريّ بأنها محمولة على القراءة