للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وإنما هو فعل أمر، من أتى الشيء: إذا أعطاه، أُبدلت همزته هاء، وهو مذهب الخليل. وقيل: هي اسم فعل أمر (١) (الْقُطْ لِي") بضم القاف، فعل أمر من لَقَطَ الشيءَ لَقْطًا، من باب قتل: إذا أخذه، وأصله الأخذ من حيث لا يُحَس. قاله الفيّوميّ (فَلَقَطْتُ لَهُ حَصَيَاتٍ، هُنَّ حَصَى الْخَذْفِ) أي مثل حصى الخذف في الصغر (فَلَمَّا وَضَعْتُهُنَّ فِي يَدِهِ، قَالَ: "بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ) متعلّق بمحذوف، أي ارموا بأمثال هؤلاء الحصيات في الحجم، وفي "الكبرى": "بأمثال هؤلاء، بأمثال هؤلاء" مكرّرًا (وإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ) أي احذروا مجاوزة الحدّ في أمور الدين. و"إياكم" منصوب على التحذير، وعامله محذوف وجوبًا، أي إياكم احذَرُوا، و"الغلو" بالنصب عطف عليه، كما قال ابن مالك في "خلاصته":

إِيَّاكَ وَالشَّرَّ وَنَحْوَهُ نَصَبْ … مُحَذِّرٌ بِمَا اسْتِتَارُهُ وَجَبْ

قال ابن الأثير -رحمه اللَّه تعالى-: "إياكم والغلوّ في الدين": أي التشدّد فيه، ومجاوزة الحدّ، كحديثه الآخر: "إن هذا الدين مَتينٌ، فأوغِلوا فيه برفق" (٢). وقيل: معناه: البحث عن بواطن الأشياء، والكشف عن عِلَلها، وغوامض مُتَعَبّداتها. ومنه الحديث: "وحامل القرآن غير الغالي فيه، ولا الجافي عنه" (٣)، إنما قال ذلك؛ لأن من أخلاقه، وآدابه التي أمر بها القصد في الأمور، وخير الأمور أوساطها، و:

............... كِلَا طَرَفَيْ قَصْدِ الأُمُورِ ذَمِيمُ (٤)

(فَإنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ) يعني أن الغلوّ في أمور الدين هو الذي أهلك الأمم السابقة، فلا ينبغي لهذه الأمة أن تتأسّى بهم؛ لئلا يصبيها ما أصابهم. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما - هذا صحيح.

(المسألة الثانية): في بيان مواضع ذكر المصنف له، وفيمن أخرجه معه:


(١) - راجع حاشية يس الحمصي على "مجيب الندا شرح قطر الندا" ١/ ٧٠ - ٧١.
(٢) - حديث حسنٌ أخرجه أحمد في "مسنده" من حديث أنس - رضي اللَّه عنه -.
(٣) - حديث حسنٌ أخرجه أبو داود في "سننه"، من حديث أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "إن من إجلال اللَّه إكرام ذي الشيبة المسلم، وحاملِ القرآن، غير الغالي فيه، والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط".
(٤) - "النهاية في غريب الحديث" ٣/ ٣٨٢.