تعالى عنهما (كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -) -بكسر الراء، وسكون الدال المهملة-: هو الراكب خلف الر اكب، كالمُرْتَدِف، والرَّدِيف، والرُّدَافَى. قاله في "القاموس"(فَمَا زِلْتُ أَسْمَعُهُ يُلَبِّي) حال من المفعول، أي حال كونه ملبيًا (حَتَّى رَمَى جَمْرةَ الْعَقَبَةِ، فَلَمَّا رَمَى قَطَعَ التَّلْبيَةَ) هذا ظاهر في أن وقت قطع التلبية هو تمام رمي جمرة العقبة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما - هذا صحيح.
[فإن قلت]: كيف يصحّ، وفي سنده خُصيف بن عبد الرحمن، وهو مختلف فيه؟.
[قلت]: قد رواه ابن خزيمة في "صحيحه" بإسناد آخر صحيح، كما سيأتي قريبًا، وأيضا له شواهد من حديث ابن مسعود - رضي اللَّه عنه -، وغيره، فهو صحيح، وقد سبق تخريجه في -٢٠٤/ ٣٠٢١. واللَّه تعالى أعلم.
(المسألة الثانية): في اختلاف أهل العلم في الوقت الذي تُقطع فيه التلبية:
ذهب الجمهور إلى ما دلّ عليه حديث الباب، فقالوا: يستمرّ على التلبية حتى يرمي جمرة العقبة، وبعدها يشرع في التحلّل، روى ابن المنذر بإسناد صحيح عن ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما -، أنه كان يقول:"التلبية شعار الحجّ، فإذا كنت حاجًّا، فلَبِّ حتى بدء حلّك، وبدء حلّك أن ترمي جمرة العقبة". وروى سعيد بن منصور، من طريق ابن عباس، قال:"حججت مع عمر إحدى عشرة حجة، وكان يُلبّي حتى رمى جمرة العقبة". وباستمرارها قال الشافعيّ، وأبو حنيفة، والثوريّ، وأحمد، وإسحاق، وأتباعهم.
وذهبت طائفة إلى أن المحرم يقطع التلبية إذا دخل الحرم، وهو مذهب ابن عمر، لكن كان يعاود التلبية إذا خرج من مكة إلى عرفة.
وذهبت طائفة إلى أنه يقطعها إذا راح إلى الموقف. رواه ابن المنذر-، وسعيد بن منصور بأسانيد صحيحة عن عائشة، وسعد بن أبي وقّاص، وعليّ - رضي اللَّه عنهم -، وبه قال مالك، وقيّده بزوال الشمس يوم عرفة، وهو قول الأوزاعيّ، والليث، وعن الحسن البصريّ مثله، لكن قال:"إذا صلّى الغداة يوم عرفة"، وهو بمعنى الأول. وقد روى الطحاويّ بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن يزيد، قال:"حججت مع عبد اللَّه، فلما أفاض إلى جمع جعل يلبّي، فقال رجل: أعرابّي هذا؟، فقال عبد اللَّه: أنسي الناس، أم ضلّوا؟ "، وأشار الطحاويّ إلى أن كلّ من رُوي عنه ترك التلبية من يوم عرفة أنه تركها