للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كان عينًا على الأنصار، دون غيرهم، ويؤيّده مبايعتهم النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - ليلة العقبة على أن يؤووا رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وينصروه. فيخرج من قولهما أنه كان عينًا على الطائفتين، كفاية في حقّ غيرهم، ومع ذلك فليس في حقّ الطائفتين على التعميم، بل في حقّ الأنصار إذا طرق المدينة طارق، وفي حقّ المهاجرين إذا أُريد قتال أحد من الكفّار ابتداءً، ويؤيّد هذا ما وقع في قصّة بدر، فيما ذكره ابن إسحاق، فإنه كالصريح في ذلك. وقيل: كان عينًا في الغزوة التي يخرج فيها النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، دون غيرها.

والتحقيق أنه كان عينًا على من عيّنه النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - في حقّه، ولو لم يخرُج.

(الحالة الثانية): بعده - صلى اللَّه عليه وسلم -، فهو فرض كفاية على المشهور، إلا أن تدعو الحاجة إليه، كأن يَدْهَم العدوُّ، ويتعيّن على من عيّنه الإمام، ويتأدّى فرض الكفاية بفعله في السنة مرّة عند الجمهور، ومن حجّتهم أن الجزية تجب بدلاً عنه، ولا تجب في السنة أكثر من مرّة، اتفاقًا، فليكن بدلها كذلك. وقيل: يجب كلما أمكن، وهو قويّ.

والذي يظهر أنه استمرّ على ما كان عليه في زمن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - إلى أن تكاملت فتوح معظم البلاد، وانتشر الإسلام في أقطار الأرض، ئم صار إلى ما تقدّم ذكره.

والتحقيق أيضًا أن جنس جهاد الكفّار متعيّنٌ على كلّ مسلم، إما بيده، وإما بلسانه، وإما بماله، وإما بقلبه. واللَّه أعلم انتهى ما في "الفتح" (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الذي يترجّح عندي قول من قال بفرضية الجهاد على الكفاية، إلا إذا تعيّن على كلّ مكلّف، بأن هجم العدوّ، أو أمر الإمامُ شخصًا بعينه، أو جماعة بعينها؛ لحديث ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما - المتّفق عليه (٢): "وإذا استُنفرتم فانفروا"، فإنه صريح أنه لا يجب إلا إذا طلب الإمام النفير، أي الخروج إلى القتال. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٣٠٨٧ - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ, قَالَ: أَنْبَأَنَا (٣) أَبِي, قَالَ: أَنْبَأَنَا (٤) الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ, عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ, عَنْ عِكْرِمَةَ, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ, وَأَصْحَابًا لَهُ, أَتَوُا النَّبِيَّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بِمَكَّةَ, فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنَّا كُنَّا فِي عِزٍّ, وَنَحْنُ مُشْرِكُونَ, فَلَمَّا آمَنَّا صِرْنَا أَذِلَّةً, فَقَالَ: «إِنِّي أُمِرْتُ بِالْعَفْوِ, فَلَا تُقَاتِلُوا» , فَلَمَّا حَوَّلَنَا اللَّهُ إِلَى الْمَدِينَةِ, أَمَرَنَا بِالْقِتَالِ, فَكَفُّوا, فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ


(١) - "فتح" ٦/ ١٢٠ - ١٢١.
(٢) - وسيأتي للمصنّف برقم - ٤١٦٩ و ٤١٧٠.
(٣) - وفي نسخة: "ثنا"، وفي أخرى: "أخبرنا".
(٤) - وفي نسخة: "ثنا"، وفي أخرى: "أخبرنا".