للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

خوف شديد من بأسه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فلا يشكل بأن الناس يخافون من بعض الجبابرة مسيرة شهر وأكثر، فكانت بلقيس تخاف من سليمان - رضي اللَّه عنه - مسيرة شهر، وهذا ظاهر، وقد بقي آثار هذه الخاصّة في خلفاء أمته ما داموا على حاله - صلى اللَّه عليه وسلم -. قاله السنديّ (١).

وقال في "الفتح": قوله: "مسيرة شهر" مفهومه أنه لم يوجد لغيره النصر بالرعب في هذه المدّة، ولا في أكثر منها، أما ما دونها فلا، لكن لفظ رواية عمرو بن شعيب: "ونُصرتُ على العدوّ بالرعب، ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر"، فالظاهر اختصاصه به مطلقًا، وإنما جعل الغاية شهرًا؛ لأنه لم يكن بين بلده، وبين أحد من أعدائه أكثر منه، وهذه الخصوصية حاصلة له على الإطلاق، حتى لو كان وحده بغير عسكر، وهل هي حاصلة لأمته من بعده؟ فيه احتمال انتهى (٢). وقد تقدّم شرح حديث جابر - رضي اللَّه تعالى عنه - مستوفًى في "كتاب التميمم"، فراجعه تستفد، وباللَّه تعالى التوفيق.

(وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، أُتِيتُ) من الإتيان، وفي بعض نسخ البخاريّ: "أوتيت" بالواو بعد الباء، من الإيتاء، وهو الإعطاء، فتكون الباء على هذا زائدة في قوله (بمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ) المراد منها ما يُفتح لأمته من بعده من الفتوح. وقيل: المعادن. وقال الخطابيّ: المراد بخزائن الأرض ما فُتح على الأمة من الغنائم من ذخائر كسرى، وقيصر، وغيرهما. ويحتمل معادن الأرض التي فيها الذهب والفضّة. وقال غيره: بل يُحمل على أعمّ من ذلك انتهى (٣). (فَوُضِعَتْ فِي يَدِي) وفي رواية: "في كفّي". قال القرطبيّ: هذه الرؤيا أوحى اللَّه فيها لنبيّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أن أمته ستملك الأرض، ويتّسع سلطانها، ويظهر دينها، ثم إنه وقع ذلك كذلك، فملكت أمته من الأرض ما لم تملكه أمة من الأمم فيما علمناه، فكان هذا الحديث من أدلة نبوته - صلى اللَّه عليه وسلم -، ووجه مناسبة هذه الرؤيا أن من ملك مفتاح المغلق، فقد تمكّن من فتحه، ومن الاستيلاء على ما فيه انتهى (٤).

(قَالَ أَبو هُرَيْرَةَ) - رضي اللَّه تعالى عنه -، وهو موصول بالسند المذكور أوّلاً (فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -) أي مات (وَأَنْتُم تَنْتَثِلُونَهَا) بمثناة، ثم نون ساكنة، ثم مثناة، بوزن تفتعلونها، أي تستخرجونها، وتنتفعون بها. وقال في "الفتح": ولبعضهم بحذف المثناة الثانية، من النَّثل -بفتح النون، وسكون المثلّثة-وهو الاستخراج، يقال: نَثَلَ كنانته - أي من باب ضرب-: استخرج ما فيها من السهام، وجِرابَه: نَفَضَ ما فيه، والبئرَ: أخرج


(١) - "شرح السنديّ"١/ ٢١٠/٢١١.
(٢) - "فتح" ١/ ٥٨١ في "كتاب التيمم".
(٣) - "فتح" ١٤/ ٤٦١. في "كتاب التعبير".
(٤) - راجع "زهر الربى" ٦/ ٣ - ٤.