للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والشافعيّ، وأبو ثور، وابن المنذر، والجمهور. قال ابن المنذر: وهو قول كثر أهل العلم، وقد تظاهرت الأحايث الصحيحة على معناه، فمنها حديث إغارة النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - على بني المصطلق، وهم غارّون، وأنعامهم تُسقى على الماء، فقتل مقاتلهم، وسبى سبيهم. متفق عليه. (ومنها): حديث قتل كعب بن الأشرف. (ومنها): حديث قتل ابن أبي الحُقَيق، وكلاهما في "الصحيحين". أفاده النوويّ في "شرح مسلم" (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: المذهب الثالث هو الصحيح، كما صححه النوويّ، وغيره، لأن به تجتمع الأدلة.

وحاصله أن الكفار إن بلغتهم الدعوة، فيجوز الإغارة عليهم بلا إنذار، كما فعل النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - على بني المصطلق،، وإلا فلا؛ لحديث بُريدة بن الحُصَيب - رضي اللَّه عنه - الآتي قريبًا: "وإذا لقيت عدوّك من المشركين، فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال، فأيتها أجابوك إليها، فاقبل منهم، وكُفّ عنهم: ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوا فاقبل منهم، وكفّ عنهم … " الحديث. فقد أمر - صلى اللَّه عليه وسلم - بالدعوة، فيحمل على من لم تبلغهم الدعوة، حتى تجمتع الأدلة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): ظاهر أحاديث الباب تدلّ على وجوب مقاتلة الكفّار، وإن دفعوا الجزية، لكن أخرج الإمام مسلم -رحمه اللَّه تعالى- في "صحيحه" من طريق علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: كان رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، إذا أَمَّرَ أميرا على جيش، أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوى اللَّه، ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: "اغزوا باسم اللَّه، في سبيل اللَّه، قاتلوا من كفر باللَّه، اغزوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا، وإذا لقيتَ عدوك من المشركين، فادعهم إلى ثلاث خصال، أو خلال، فأيتهن ما أجابوك، فاقبل منهم، وكُفّ عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك، فاقبل منهم، وكُفّ عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك، فلهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم اللَّه الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة، والفيء شيء، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا، فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك، فاقبل منهم، وكف عنهم، فإن هم أبوا، فاستعن باللَّه، وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تجعل لهم ذمة اللَّه، وذمة نبيه، فلا تجعل لهم ذمة اللَّه، ولا ذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك، وذمة أصحابك، فإنكم أن تُخفِروا ذممكم، وذمم


(١) - "شرح مسلم" ١٢/ ٢٦٤.