للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

راجعته لأَرَى رَأْيَه فيه، فأشار عليّ بكذا أراني ما عنده فيه من المصلحة، فكانت إشارةً حسنةً، والاسم الْمَشُورة، وفيها لغتان: سكون الشين، وفتح الواو، والثانية: ضمّ الشين، وسكون الواو، وزانُ مَعُونةٍ، ويقال: هي من شار الدّابّة: إذا عرضها في الْمِشْوَار (١). ويقال: من شَرْتُ العسل (٢): شُبِّهَ حسنُ النصيحة بشرب العسل. قاله الفيّوميّ.

وقد بُيِّنَ كيفية الاستشارة في رواية ابن ماجه، فقد أخرجه من طريق ابن إسحاق، عن محمد بن طلحة بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، عن معاوية بن جاهمة السلمي، قال: أتيت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقلت: يا رسول اللَّه، إني كنت أردت الجهاد معك، أبتغي بذلك وجه اللَّه، والدار الآخرة، قال: "ويحك، أحية أمك؟ "، قلت: نعم، قال: "ارجع فَبِرَّها"، ثم أتيته من الجانب الآخر، فقلت: يا رسول اللَّه، إني كنت أردت الجهاد معك، أبتغي بذلك وجه اللَّه، والدار الآخرة، قال: "ويحك أحية أمك؟ "، قلت: نعم، يا رسول اللَّه، قال: "فارجع إليها، فَبِرَّها"، ثم أتيته من أمامه، فقلت: يا رسول اللَّه، إني كنت أردت الجهاد معك، أبتغي بذلك وجه اللَّه، والدار الآخرة، قال: "ويحك، أحية أمك؟ "، قلت: نعم يا رسول اللَّه، قال: "ويحك، الزم رجلها، فَثَمَّ الجنة".

ثم أخرجه من طريق حجاج بن محمد، عن ابن جريج بسند المصنّف، عن معاوية ابن جاهمة السلمي أن جاهمة أتى النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - فذكر نحوه.

قال أبو عبد اللَّه ابن ماجه: هذا جاهمة بن عباس بن مرداس السلمي الذي عاتب النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - يوم حنين انتهى.

(فَقَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (هَلْ لَكَ مِن أُمٍّ؟) "من" زائدة، و"أم" فاعل بالجارّ والمجرور، لاعتماده على الاستفهام. ويحتمل أن يكون مبتدأٌ مؤخرًا، والجارّ والمجرور خبرًا مقدّمًا (قَالَ) جاهمة - رضي اللَّه تعالى عنه - (نَعَمْ، قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (فَالْزَمْهَا) بفتح الزاي أمر من لزِمَ، كسمع، أي الزم خدمتها. وفي رواية ابن ماجه المذكورة: "ويحك الزم رجلها". وهو كناية عن لزوم خدمتها، والتواضع، وحسن الطاعة لها. واللَّه تعالى أعلم (فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا) أي نصيبك من الجنة لا يصل إليك إلا برضاها، بحيث صارت الجنة كشيء مملوك لها، وهي قاعدة عليه، تتصرّف فيه كيف تشاء، فإن الشيء إذا صار تحت رِجلِ أحد، فقد تمكّن منه، واستولى عليه، بحيث لا يصل إلى آخر منه شيء، إلا برضاه.


(١) - شُرت الدابة شورًا، من باب قال: عرضته للبيع بالإجراء ونحوه، وذلك المكان الذي يُجرَى فيه مِشوَارٌ بكسر الميم. قاله في "المصباح".
(٢) - شُرتُ العسل أَشُورُة شَوْرًا، من باب قال: جَنَيته، ويقال: شَرِبْتُه. قاله في "المصباح".