للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال النوويّ: المختار تفضيل المخالطة لمن لا يغلب على ظنّه أنه يقع في معصية، فإن أشكل فالعزلة أولى.

وقال غيره: يختلف باختلاف الأشخاص، فمنهم: من يتحتّم عليه أحد الأمرين، ومنهم: من يترجّح، وليس الكلام فيه، بل إذا تساويا، فيختلف باختلاف الأحوال، فإن تعارضا اختلف باختلاف الأوقات، فمن يتحتّم عليه المخالطة من كانت له قدرة على إزالة المنكر، فيجب عليه، إما عينًا، وإما كفايةً، بحسب الحال والإمكان، وممن يترجّح عليه من يغلب على ظنّه أنه يسلم في نفسه إذا قام في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. وممن يستوي من يأمن على نفسه، ولكن لا يتحقّق أنه لا يطاع، وهذا حيث لا يكون هناك فتنة عامّة، فإن وقعت الفتنة ترجّحت العزلة؛ لما ينشأ فيها غالبًا من الوقوع في المحذور، وقد تقع العقوبة باصحاب الفتنة، فتعمّ من ليس من أهلها، كما قال اللَّه تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: ٢٥] (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن التفصيل المذكور هو الأرجح؛ لأنه يؤيّده حديث أبي سعيد الخدريّ - رضي اللَّه عنه - المذكور في الباب، وحديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - الذي أخرجه مسلم من طريق بَعْجة بن عبد اللَّه الجهنيّ، عن أبي هريرة، عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، أنه قال: "من خير معاشِ الناس لهم رجل، ممسك عِنَان فرسه، في سبيل اللَّه، يطير على مَتْنِه، كلما سَمِع هَيْعَةً، أو فزعة، طار عليه، يبتغي القتل والموت مظانه، أو رجل في غنيمة، في رأس شَعَفَة، من هذه الشَّعَفِ، أو بطن واد، من هذه الأودية، يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويعبد ربه، حتى يأتيه اليقين، ليس من الناس إلا في خير".

والحاصل أن العزلة، والْخُلطة من الأمور النسبيّة التي تختلف خيريتها باختلاف الأشخاص، والأزمان، والأمكنة، كما بُيِّن في التفصيل المذكور. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".


(١) - راجع "الفتح" ١٣/ ١٣٢ "كتاب الفتن".