للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الصحيح، غير شيخه، فقد تفرّد به هو. (ومنها): أنه مسلسل بالكوفيين إلى عيسى، وهو وأبو هريرة مدنيان. (ومنها): أن فيه أبا هريرة - رضي اللَّه عنه - من المكثرين السبعة. واللَّه تعالى أعلم.

شرح الحديث

(عَن أَبِيِ هُرَيْرَةَ) - رضي اللَّه تعالى عنه -، أنه (قَالَ: "لَا يَبْكِي أَحَدٌ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، فَتَطْعَمَهُ النَّارُ) بفتح حرف المضارعة، من طَعِم بكسر العين، من باب تَعِب: أي فتأكله النار، والفعل منصوب بـ"أن" مضمرةً بعد الفاء السببيّة. وفي "شرح السنديّ": قوله: "فتطعمه النار" من طَعِم، أي فتأكله النار، أو من أطعم على بناء الفاعل، والضمير للَّه، أو على بناء المفعول، ونائب الفاعل "النار" انتهى (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قوله: "والضمير للَّه" هذا الوجه غير صحيح إلا إذا كان حرف المضارعة ياء تحتانيّة، فتأمّل. واللَّه تعالى أعلم.

(حَتَّى يُرَدَّ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ) ببناء الفعل للمفعول، وهذا من التعليق بالمحال عادةً، إذ عودة اللبن في الضرع بعد احتلابه مستحيل عادة، وفائدة تعليقه به التاكيد في عدم دخول الباكي من خشية النار أبدًا، وهو كقوله تعالى: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف:٤٠]. والظاهر من هذا أن اللَّه تعالى لا يوفق عبدًا للبكاء من خشيته إلا إذا أراد له النجاة من النار أبدًا (وَلَا يَجتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبيلِ اللَّهِ، وَدُخَانُ جَهَنَّمَ) فكأنهما ضدّان لا يجتمعان، كالأشياء المتضادّة التي لا يمكن الجمع بينها (فِي مَنْخَرَيْ مُسْلِم أَبَدًا) تثنية "منخر" بفتح الميم والخاء، وبكسرهما، وبضمّهما، وكمَجْلِسٍ: خرق الأنف، وحقيقته موضع النخر، وهو صوت الأنف. والمراد عدم دخوله النار أبدًا.

[فإن قلت]: كيف تجمع بين هذا الحديث الدالّ على عدم دخول مسلم قاتَلَ في سبيل اللَّه تعالى النار أبدًا، إذ أن خطاياه تكفّر كلها، وبين ما أخرجه مسلم -رحمه اللَّه تعالى- في "صحيحه"، عن عبد اللَّه بن أبي قتادة، عن أبي قتادة، أنه سمعه يحدث عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، أنه قام فيهم، فذكر لهم أن الجهاد في سبيل اللَّه، والإيمان باللَّه أفضل الأعمال، فقام رجل، فقال: يا رسول اللَّه، أرأيت إن قتلت في سبيل اللَّه تكفر عني خطاياي، فقال له رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "نعم، إن قتلت في سبيل اللَّه، وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر"، ثم قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "كيف قلت؟ قال: أرأيت إن قُتِلتُ في سبيل اللَّه، أتكفر عني خطاياي؟ فقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "نعم، وأنت صابر محتسب،


(١) - "شرح السنديّ" ٦/ ١٢.