أخرى، فيَصدُق عليه أنه مُقبل (أَيُكَفرُ اللَّهُ عَنِّي خَطَايَايَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "نَعَمْ) يكفّرها (فَلَمَّا وَلَّى الرَّجُلُ، نَادَاهُ رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -) بنفسه (أَوْ) للشكّ من الراوي (أَمَرَ بِهِ) غيره (فَنُودِيَ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -:، كَيْفَ قُلْتَ: فَأَعَادَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ) المذكور (فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "نَعَمْ) يكفّر عنك الخطايا كلها (إِلَّا الدَّيْنَ) بفتح الدال المهملة، والنصب على الاستثناء، أي فلا يكفِّرُه عنك إلا عفو صاحبه، أو استيفاؤه.
قال الحافظ أبو عمر -رحمه اللَّه تعالى-: فيه أن الخطايا تكفّر بالأعمال الصالحة مع الاحتساب، والنيّة في العمل، وأن أعمال البرّ المقبولة لا تُكفِّرُ من الذنوب إلا ما بين العبد، وبين ربّه، فأما التبعات فلا بدّ فيها من القصاص. قال: وهذا في دين ترك له وفاءً، ولم يوص به، أو قدر على الأداء، فلم يؤدّ، أو أدّاه في غير حقّ، أو أسرف، ومات، ولم يوفه، أما من ادّانَ في حقّ واجب؛ لفاقة، وعسر، ومات، ولم يترك وفاءً، فلا يُحبس عن الجنّة؛ لأن على السلطان فرضًا أن يؤدّي عنه دينه من الصدقات، أو سهم الغارمين، أو الفيء. وقد قيل: إن تشديده - صلى اللَّه عليه وسلم - في الدين كان قبل الفتوح انتهى. وقال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: يستفاد منه أن الشهادة لا تكفّر التبعات، وهي لا تمنع درجة الشهادة، وليس للشهادة معنى إلا أن تُثبت لمن حصلت له ثوابًا مخصوصًا، وتُكرمه كرامة زائدةً، وقد بين في الحديث أنه يكفّر عنه ما عدا التبعات، فإن كان له عمل صالحٌ كفّرت الشهادة سيّئاته، غير التبعات، ونفعه عمله الصالح في مُوازنة ما عليه من التبعات، وتبقى له درجة الشهادة خالصةً، فإن لم يكن له عملٌ صالحٌ فهو تحت المشيئة انتهى.
وقال ابن الزملكانيّ -رحمه اللَّه تعالى-: فيه تنبيهٌ على أن حقوق الآدميين لا تكفّر؛ لكونها مبنيّة على المشاحّة والتضييق. ويمكن أن يقال: هذا محمول على الدين الذي هو خطيئةٌ، وهو ما استدانه صاحبه على وجه لا يجوز له فعله، بأن أخذه بحيلة، أو غَصَبَه، فثبت في ذمّته البدلُ، أو ادّان غير عازم على الوفاء؛ لأنه استثنى ذلك من الخطايا، والأصل في الاستثناء أن يكون من الجنس، ويكون الدين المأذون فيه مسكوتًا عنه في هذا الاستثناء، فلا يلزم المؤاخذة به؛ لما لطف اللَّه بعبده من استيهابه له، وتعويض صاحبه من فضل اللَّه.
[فإن قيل]: ما تقول فيمن مات، وهو عاجز عن الوفاء، ولو وجد وفاءً وفى؟.
[قلت]: إن كان المال الذي لزم ذمّته إنما لزمها بطريق لا يجوز تعاطي مثله، كغصب، وإتلافٍ مقصودٍ، فلا تبرأ الذّمّة من ذلك إلا بوصوله إلى من وجب له، أو بإبرائه منه، ولا تُسقِطه التوبةُ، وإنما تنفع التوبة في إسقاط العقوبة الأخرويّة فيما يختصّ