للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَجَدْتَ مَنْزِلَكَ؟، فَيَقُولُ) الرجل (أَيْ) بفتح الهمزة، وسكون الياء حرف نداء للقريب (رَبِّ) أصله "ربي" مضافًا إلى ياء المتكلّم، ثم يجوز فيه ستة أوجه: الأول: حذف الياء، استغناء بالكسرة، وهذا هو الأكثر. والثاني: إثباتها ساكنة، وهو دون الأول في الكثرة. والثالث: قلب الياء ألفًا، وحذفها؛ استغناء بالفتحة. والرابع: قلبها ألفًا، وإبقاؤها، قلب الكسرة فتحةً، نحو "يا ربّا". والخامس: إثبات الياء مفتوحة، نحو "يا ربِّيَ". والسادس، وهو أضعفها: ضمّ الاسم بعد حذف الياء، تشبيهًا بالمفرد، اكتفاء بنيّة الإضافة. وإلى الأوجه الخمسة الأولى أشار ابن مالك في "الخلاصة" حيث قال:

وَاجْعَلْ مُنَادى صَحَّ إِنْ يُضَف لِيَا … كَعَبْدِ عَبْدِي عَبْدَ عَبدًا عَبْدِيَا

(خَيرَ مَنْزِلٍ) منصوب بتقدير فعل، أي وجدته خير منزل (فَيَقُولُ) اللَّه تعالى للرجل (سَلْ) فعل أمر من السؤال، وأصله "اسأل" فخُفّف؛ لكثرة الاستعمال، وحُذف مفعوله تعميمًا، أي ما تشاء (وَتَمَنَّ) فعل أمر، التمنّي، وهو مؤكّد لما قبله (فَيَقُولُ) الرجل (أَسأَلُكَ أَنَّ تَرُدَّنِي إِلَى الدُّنْيَا) قال السنديّ: أي عشر مرّات، أو مرّة، وعلى الثاني فمعنى (فَأقْتَلَ فِي سَبيلِكِ عَشْرَ مَرَّاتٍ) أن يُقتَلَ، ثم يُحيا من ساعته في مكانه. واللَّه تعالى أعلم انتهى (١) (لِمَا يَرَى) متعلّق بمقدّر، أي إنما سأل ذلك لأجل ما يراه (مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ) بيان لـ"ما". ولفظ البخاريّ: "لما يرى من الكرامة".

ولمسلم من حديث ابن مسعود - رضي اللَّه عنه -، رفعه في الشهداء: "فاطلع إليهم ربهم اطلاعةٌ، فقال: هل تشتهون شيئا؟ قالوا: أيَّ شيء نَشتهِي، ونحن نَسْرَح من الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يُسأَلُوا، قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا، حتى نُقتَل في سبيلك مرة أخرى … ".

ولابن أبي شيبة من مرسل سعيد بن جبير أن المخاطب بذلك حمزة بن عبد المطّلب، ومصعب بن عُمير. وللترمذيّ، والحاكم، وصحّحه من حديث جابر، قال: قال لي رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "ألا أخبرك ما قال اللَّه لأبيك؟ قال: يا عبد اللَّه تمنّ عليّ أعْطِكَ، قال: يا ربّ تُحييني، فأقتل فيك ثانيةً، قال: إنه سبق منّي أنهم إليها لا يُرجَعُون" (٢). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:


(١) - "شرح السنديّ" ٦/ ٣٦.
(٢) - "فتح" ٦/ ١١٤.