للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شَاهِدُهَا الَّذِي رَوَينَا مُسْنَدًا … لَنْ يَغْلِبَ اليُسْرَيْنِ عُسْرٌ أَبَدَا

لكن مقتضى الأحاديث المطلقة خلافه، فيحتمل أن يراد به الإسلام، توفيقًا بين هذا الحديث، وبين الأحاديث المطلقة، وإن كان مقتضى أصول كثير من الفقهاء أن يُحمل المطلق على المقيّد، لكن المرجوّ ههنا هو الأول. أفاده السنديّ (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: حاصل ما أشار إليه السنديّ -رحمه اللَّه تعالى- أنه ليس المراد بـ"سبيل اللَّه" في قوله: "والغرق في سبيل اللَّه شهيد" من غرِق في الجهاد فقط، بل المراد كلّ مسلم غَرِق، سواء كان في الجهاد، أم في غيره، بدليل الأحاديث الصحاح الأخرى التي أطلقت الشهادة لكلّ مسلم غرِقَ، وكذا الكلام في "المبطون"، و"المطعون"، و"النفساء"، وهو بحثٌ نفيسٌ جدًّا. واللَّه تعالى أعلم.

(مَنْ قُبضَ) بالبناء للمفعول، أي تُوفّي (فِي شَيْءٍ مِنْهُنَّ، فَهُوَ شَهِيدْ) قال النوويّ: قال العلماء: وإنما كانت هذه الموتات شهادةٌ بتفضّل اللَّه تعالى، بسبب شدّتها، وكثرة ألمها. وقالوا أيضًا: المراد بشهادة هؤلاء كلّهم غير المقتول في سبيل اللَّه أنهم يكون لهم في الآخرة ثواب الشهداء، وأما في الدنيا، فيُغسلون، ويصلَّى عليهم.

[فائدة]: الشهداء ثلاثة أقسام: (الأول): شهيدٌ في الدنيا والآخرة، وهو المقتول في حرب الكفّار. (والثاني): شهيد في الآخرة، دون أحكام الدنيا، وهم هؤلاء المذكورون في هذا الحديث، ونحوه. (والثالث): شهيد في الدنيا، دون الآخرة، وهو من غَلَّ في الغنيمة، أو قُتِلَ مدبرًا. أفاده النوويّ -رحمه اللَّه تعالى- (٢).

(الْمَقْتُولُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أي في قتال الكفّار بأيّ صفة مات (شَهِيدٌ، وَالْغَرِقُ) بكسر الراء صفة مشبّهة من غَرِق، يقال: غَرِق الشيءُ في الماء غَرَقًا، فهو غَرِقٌ، من باب تَعِب، وجاء غارقٌ أيضًا. وحكى في "البارع" عن الخليل: الغَرِقُ الراسبُ في الماء من غير موت، فإن مات غَرَقًا فهو غَرِيقٌ، مثلُ كريم. هذا كلام العرب، وجوّز في "البارع" الوجهين في القياس. قاله الفيّوميّ.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي نُقل عن الخليل من الفرق ذكره في "اللسان" بـ"قيل"، فقال: وقيل: الغرِقُ الراسبُ في الماء، والغريق الميت فيه انتهى. وقال ابن الأثير الغرق بكسر الراء-: الذي يموت بالغرق. وقيل: هو الذي غلبه الماء، ولم يَغْرَق، فإذا غرق فهو غَريق انتهى (٣). واللَّه تعالى أعلم.


(١) - راجع "شرح السنديّ" ٦/ ٣٧.
(٢) - "شرح مسلم" ١٣/ ٦٤ - ٦٥.
(٣) - "النهاية" ٣/ ٣٦١.