للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لَمّا غزاها الرشيد في خلافته.

قال الحافظ: ويُجمع بأنهم لما وصلوا إلى الجزيرة بادرت المقاتلة، وتأخرت الضعفاء كالنساء، فلما غلب المسلمون، وصالحوهم طلعت أمّ حرام من السفينة قاصدة البلد لتراها، وتعود راجعة للشام، فوقعت حينئذ، ويُحمل قول حمّاد بن زيد في روايته: "فلما رجعت"، وقول أبي طوالة: "فلما قفلت" أي أرادت الرجوع، وكذا قول الليث في روايته: "فلما انصرفوا من غزوهم قافلين"، أي أرادوا الانصراف.

قال الحافظ: ثم وقفت على شيء يزول به الإشكال من أصله، وهو ما أخرجه عبد الرزّاق، عن معمر، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار أن امرأة حدّثته، قالت: "نام رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، ثم استيقظ، وهو يضحك، فقلت: تضحك منّي يا رسول اللَّه؟ قال: لا ولكن من قوم من أمتي يخرجون غزاة في البحر، مَثَلَهم كمثل الملوك على الأسرّة، ثم نام، ثم استيقظ، فقال مثل ذلك سواءً، لكن قال: فيرجعون قليلة غنائمهم، مغفورًا لهم، قالت: فادع اللَّه أن يجعلني منهم، فدعا لها"، قال عطاء: "فرأيتها في غزاة غزاها المنذر بن الزبير إلى أرض الروم، فماتت بأرض الروم"، وهذا إسناد على شرط الصحيح.

وقد أخرج أبو داود من طريق هشام بن يوسف، عن معمر، فقال في روايته "عن عطاء بن يسار، عن الرميصاء أخت أم سُليم"، وأخرجه ابن وهب، عن حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، فقال في روايته: "عن أمّ حرام"، وكذا قال زهير بن عباد، عن زيد بن أسلم.

قال الحافظ: والذي يظهر لي أن قول من قال في حديث عطاء بن يسار هذا عن أمّ حرام وَهَم، وإنما هي الرُّمَيصاء، وليست أم سُليم، وإن كانت يقال لها أيضًا: الرميصاء، كما ثبت في حديث جابر - رضي اللَّه عنه - عند البخاريّ في "المناقب"؛ لأن أم سُليم لم تمت بأرض الروم، ولعلها أختها أم عبد اللَّه بن ملحان، فقد ذكرها ابن سعد في الصحابيّات، وقال: إنها أسلمت، وبايعت. ولم أقف على شيء من خبرها إلا ما ذكر ابن سعد، فيحتمل أن تكون هي صاحبة القصّة التي ذكرها ابن (١) عطاء بن يسار، وتكون تأخّرت حتى أدركها عطاء، وقصّتها مغايرة لقصّة أم حرام من أوجه:

[الأول]: في حديث أمّ حرام أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - لما نام كانت تَفلِي رأسه، وفي حديث الأخرى أنها كانت تغسل رأسها كما تقدّم ذكره من رواية أبي داود.

[الثاني]: ظاهر رواية أمّ حرام أن الفِرْقة الثانية تغزو في البرّ، وظاهر رواية الأخرى


(١) - هكذا نسخة "الفتح"، والظاهر أن لفظة "ابن" غلط، فتنبّه.