اللَّه إني رجلٌ يشُقّ عليّ العزوبة، فأذن لي في الخصاء، قال: لا، ولكن عليك بالصيام … " الحديث. ومن طريق سعيد بن العاص: "أن عثمان قال: يا رسول اللَّه ائذن لي في الاختصاء، فقال: إن اللَّه قد أبدلنا بالرهبانية الحنيفيّةَ السمحة".
فيحتمل أن يكون الذي طلبه عثمان هو الاختصاء حقيقةً، فعبّر عنه الراوي بالتبتّل؛
لأنه ينشأ عنه، فلذلك قال: "ولو أذن له لاختصينا".
ويحتمل عكسه، وهو أن المراد بقول سعد: "ولو أذن لاختصينا" لفعلنا فعل من يختصي، وهو الانقطاع عن النساء.
قال الطبريّ: التبتّل الذي أراده عثمان بن مظعون تحريم النساء، والطيب، وكلّ ما يُلتذّ به، فلهذا أُنزل في حقه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} الآية [المائدة: ٨٧].
(التَبَتُّلَ) أي الانقطاع عن النساء، وترك النكاح انقطاعًا إلى عبادة اللَّه تعالى (وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَينَا) الاختصاء من خصيت الفحل: إذا سللت خصيته، أي أخرجتها، واختصيت: إذا فعلت ذلك بنفسك.
قال الطيبيّ: كان الظاهر أن يقول: ولو أذن له لتبتلنا، لكنه عدل عن هذا الظاهر إلى قوله: "لاختصينا" لإرادة المبالغة، أي لبالغنا في التبتّل حتى يفضي بنا الأمر إلى الاختصاء، ولم يُرد به حقيقة الاختصاء؛ لأنه حرام.
وقيل: بل على ظاهره، وكان ذلك قبل النهي عن الاختصاء، ويؤيّده توارد استئذان جماعة من الصحابة النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - في ذلك، كأبي هريرة، وابن مسعود، وغيرهما، وإنما كان التعبير بالخصاء أبلغ من التعبير بالتبتّل؛ لأن وجود الآلة يقتضي استمرار وجود الشهوة، ووجود الشهوة ينافي المراد من التبتّل، فيتعيّن الخصاء طريقا إلى تحصيل المطلوب، وغايته أن فيه ألمًا عظيمًا في العاجل، يُغتفر في جنب ما يندفع به في الآجل، فهو كقطع الإِصبع إذا وقعت في اليد الآكلة؛ صيانة لبقيّة اليد، وليس الهلاك بالخصاء محققًا، بل هو نادر، ويشهد له كثرة وجوده في البهائم مع بقائها، وعلى هذا فلعلّ الراوي عبّر بالخصاء عن الْجَبّ؛ لأنه هو الذي يُحصّل المقصود.
والحكمة في منعهم من الاختصاء؛ إرادة تكثير النسل؛ ليستمرّ جهاد الكفّار، وإلا فلو أذن في ذلك لأوشك تواردهم عليه، فينقطع النسل، فيقلّ المسلمون باقطاعه، ويكثر الكفّار، فهو خلاف المقصود من البعثة المحمدية انتهى (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.