للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولو كان في باب النكاح، وفيما يُستحيا من ذكره. (ومنها): أن فيه مشروعيّة خدمة المرأة زوجها، ومن كان منه بسبيل، من ولد، وأخ، وعائلة، وأنه لا حرج على الرجل في قصده ذلك من امرأته، وإن كان ذلك لا يجب عليها، لكن يؤخذ منه أن العادة جارية بذلك، فلذلك لم ينكره النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -. هكذا قال في "الفتح" (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: في قوله: "وإن كان ذلك لا يجب عليها" نظرٌ لا يخفى، ومن أي دليل استنبط هذا؟، واللَّه سبحانه وتعالى يقول: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٢٨] الآية، فأوجب اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- على النساء مثل ما أوجب لهن على الرجال مما جرى العرف به، وقد جرى العرف بأن الزوجة تخدم زوجها، وتقوم على بيته، وأولاده، فالحقّ أن خدمة الزوجة لزوجها، وقيامها بمهمات بيته مما أوجبه الشرع الشريف. وقد عقد الإمام ابن القيّم -رحمه اللَّه تعالى- في كتابه النافع "زاد المعاد في هدي خير العباد" فصلاً مفيدًا جدًّا، أحببت إيراده لأهميّته، ونفاسته، قال -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-:

[فصل]: في حكم النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - في خدمة المرأة لزوجها:

قال ابن حبيب في "الواضحة": حكم النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بين عليّ بن أبي طالب - رضي اللَّه عنه -، وبين زوجته فاطمة - رضي اللَّه تعالى عنها - حين اشتكيا إليه الخدمة، فحكم على فاطمة بالخدمة الباطنة، خدمةِ البيت، وحكم على عليّ بالخدمة الظاهرة، ثم قال ابن حبيب: والخدمة الباطنة: العجين، والطبخ، والفرش، وكنس البيت، واستقاء الماء، وعمل البيت كلّه. وفي "الصحيحين": أن فاطمة - رضي اللَّه تعالى عنها - أتت النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، تشكو إليه ما تلقى في يديها من الرحى، وتسأله خادمًا، فلم تجده، فذكرت ذلك لعائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -، فلما جاء رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أخبرته، قال عليّ: فجاءنا، وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقومُ، فقال: "مكانكما"، فجاء، فقعد بيننا، حتى وجدت برد قدميه على بطني، فقال: "ألا أدلّكما على ما هو خيرٌ لكما مما سألتما، إذا أخذتما مضاجعكما، فسبّحا اللَّه ثلاثاً وثلاثين، واحمَدَا ثلاثاً وثلاثين، وكبّرا أربعًا وثلاثين، فهو خيرٌ لكما من خادم"، قال عليّ: فما تركتها بعدُ، قيل: ولا ليلة صفّين؟ قال: ولا ليلة صفّين.

وصحّ عن أسماء أنها قالت: كنت أخدُم الزبير خدمة البيت كلّه، وكان له فرَسٌ، وكنت أسوسه، وكنت أحتشّ له، وأقوم عليه (٢). وصحّ عنها أنها كانت تعلف فرسه، وتسقي الماء، وتخرز الدلو، وتعجِن، وتنقُل النوى على رأسها من


(١) - "فتح" ١٠/ ١٥٣ - ١٥٤.
(٢) - أخرجه أحمد في "مسنده" ٦/ ٣٥٢ بإسناد صحيح.