قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا التحقيق الذي ذكره ابن القيّم -رحمه اللَّه تعالى- تحقيق نفيسٌ جدًّا، فقد ظهر لنا به، وتبين، واتضح أن المذهب الأول، وهو وجوب خدمة المرأة زوجها هو الراجح؛ لقوة دليله؛ لأنه المعروف في ذلك الوقت الذي نزل فيه قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٢٨]، فأوجب اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- عليها أن تلتزم بما هو معروف عند الناس، وقد طبّق نساء العصر الأول من الصحابيات، وغيرهنّ على أنفسهنّ ما طُلب منهنّ في الآية الكريمة، كما تقدّم آنفًا في قصة فاطمة، وأسماء - رضي اللَّه تعالى عنهما -. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
٣٢٢١ - (أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ قَزَعَةَ, قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ -وَهُوَ ابْنُ حَبِيبٍ- عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ, عَنْ عَطَاءٍ, عَنْ جَابِرٍ, قَالَ: لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -, فَقَالَ: «يَا جَابِرُ, هَلْ أَصَبْتَ امْرَأَةً بَعْدِي؟» , قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ, قَالَ: «أَبِكْرًا أَمْ أَيِّمًا؟» , قُلْتُ: أَيِّمًا, قَالَ: «فَهَلاَّ بِكْرًا تُلَاعِبُكَ»).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد رجال الصحيح، غير شيخه "الحسن بن قَزَعَة" وهو الهاشميّ مولاهم البصريّ، صدوق [١٠] ٤٧/ ١٧٣١. فتفرد به هو والترمذي، وابن ماجه.
وغير "سفيان بن حبيب" وهو أبو محمد البزاز البصريّ، ثقة [٩] ٦٧/ ٨٢ فإنه من رجال الأربعة. و"عطاء": هو ابن أبي رباح.
وقوله: "بعدي" أي بعد غيبتك عنّي. وقوله: "أبكرًا أم ثيّبًا؟ " منصوب بفعل مقدّر، أي أتزوّجت بكرًا، وكذا ما بعده.
و"الأيّم" -بفتح الهمزة، وتشديد المثنّاة التحتيّة-: الْعَزَبُ (١) رجلاً كان، أو امرأةً، قال الصغانيّ، وسواء تزوّج من قبلُ، أو لم يتزوّج، فيقال: رجلٌ أَيِّمٌ، وامرأةٌ أيّمٌ، قال الشاعر [من الطويل]:
فَأُبْنَا وَقَدْ آمَتْ نِسَاءٌ كَثِيرَةٌ … وَنِسوَانُ سَعْدٍ لَيْسَ فِيهِنَّ أَيِّمُ
وقال ابن السّكّيت أيضًا: فلانة أيمٌ: إذا لم يكن لها زوجٌ، بكرًا كانت، أو ثيّبًا،
ويقال أيضًا: أَيِّمة للأنثى. قاله الفيّوميّ.
والحديث متّفق عليه، وقد سبق تمام البحث فيه في الذي قبله. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".
(١) - العَزَب بفتحتين من ليس له أهلٌ، رجلاً كان، أو امرأةً. "مصباح".