للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(ومنها): بيان سبب نزول الآية المذكورة، وأنها ناسخة لما كان في الجاهليّة وأوّل الإسلام من التبنّي، ومُحرِّمة أن يُدعى الشخص باسم من تبنّاه، بل يُردّ إلى أبيه الحقيقيّ. قال أبو عبد اللَّه القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: لو نسبه إنسان إلى أبيه من التبنّي، فإن كان على جهة الخطإ، وهو أن يسبق لسانه إلى ذلك من غير قصد، فلا إثم، ولا مؤاخذة؛ لقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} الآية [الأحزاب: ٥]. وكذلك لو دعوتَ رجلاً إلى غير أبيه، وأنت ترى أنه أبوه، فليس عليك بأس. قاله قتادة.

ولا يجري هذا المجرى ما غلب عليه اسم التبنّي، كالحال في المقداد بن عمرو، فإنه كان غلب عليه نسب التبنّي، فلا يكاد يُعرف إلا بالمقداد بن الأسود، فإن الأسود بن عبد يغوث كان قد تبنّاه في الجاهليّة، وعُرف به، فلما نزلت الآية قال المقداد: أنا ابن عمرو، ومع ذلك فبقي الإطلاق عليه، ولم يُسمع فيمن مضى من عَصَّى مُطْلِقَ ذلك عليه، وإن كان متعمّدًا. وكذلك سالم مولى أبي حذيفة، كان يُدعى لأبي حذيفة، وغير هؤلاء، ممن تُبُنّي، وانتُسب لغير أبيه، وشُهر بذلك، وغلب عليه.

وذلك بخلاف الحال في زيد بن حارثة، فإنه لا يجوز أن يقال فيه: زيد بن محمد، فإن قاله أحد متعمدًا عصى؛ لقوله تعالى: {وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}، أي فعليكم الجناح. واللَّه أعلم. ولذلك قال بعده: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} أي "غفورًا" للعمد، "رحيمًا" برفع إثم الخطإ. انتهى كلام القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- (١).

(ومنها): أن من لم يُعرف أبوه يقال له في النداء: يا مولى فلان، إن كان من الموالي، ويا أخي، إن كان من غيرهم. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٣٢٢٥ - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ, قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ, عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ, قَالَ: قَالَ: يَحْيَى -يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ- وَأَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ, قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ, وَابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ, عَنْ عَائِشَةَ, زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم -, وَأُمِّ سَلَمَةَ, زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم -, أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ, وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا, مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -, تَبَنَّى سَالِمًا, وَهُوَ مَوْلًى لاِمْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ, كَمَا تَبَنَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ, وَأَنْكَحَ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ سَالِمًا, ابْنَةَ أَخِيهِ هِنْدَ ابْنَةَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ, وَكَانَتْ هِنْدُ بِنْتُ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ, مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ, وَهِيَ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَفْضَلِ أَيَامَى قُرَيْشٍ, فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ:


(١) - "تفسير القرطبيّ" ١٤/ ١٢٠. تفسير سورة الأحزاب.