وقوله:"كنّ لي أخوات" هذا على لغة أكلوني البراغيث، من إسناد الفعل المشتمل على ضمير الجماعات إلى الاسم الظاهر، فإن اللغة الفصحى أن يقول:"كان لي أخوات"، وإلى هذا أشار ابن مالك في "الخلاصة" بقوله:
وقوله:"أن تدخل بيني وبينهنّ" ببناء الفعل للفاعل، أي تتدخّل تلك البكر لصغرها، وخفّة عقلها بيني وبين أخواتي، فتورث الفتن، وتؤدّي إلى الفراق.
وقوله:"فذاك" مبتدأ خبره محذوف، أي أولى، أو خير، يعني أن الذي فعلته من أخذ الثيّب بدل البكر أحسن وأولى، أو خيرٌ.
وقوله:"إذن" هي "إذا" الشرطيّة، حذف فعل شرطها، وعُوّض عنه التنوين، أي إذا كان للغرض الذي أخبرت به، من ترتب مصالح أخواتك على الثّيب دون البكر فالذي فعلته خير، وأولى، وأحسن.
وقوله:"تُنكح المرأةُ" ببناء الفعل للمفعول. وقوله" على دينها الخ" أي لأجل دينها، فـ"على" بمعنى اللام. والمراد أن الناس يُراعون هذه الخصال في المرأة عند إرادة نكاحها، ويرغبون فيها لأجلها، وآخرها عندهم ذات الدين، ولم يُرد بذلك الأمرَ بمراعاتها، كما أرشد إليه قول:"فعليك الخ".
وقوله:"فعليك بذات الدين""عليك" اسم فعل أمر بمعنى "خذ"، أي خذ أيها المسترشد ذات الدين، واطلبها، واظفر بها، لا غيرَها، حتى تفوز بخير الدنيا والآخرة. وقوله:"تربت يداك" -بكسر الراء من باب تَعِب: إذا افتقر، فلصِقَ بالتراب، وهذه كلمة تجري على لسان العرب في مقام المدح والذّمّ، ولا يُراد بها الدعاء على المخاطب دائمًا، وقد يراد بها الدعاء أيضًا، والمراد بها هنا إما المدح، أي اطلب ذات الدين أيها العاقل الذي يُحسَدُ عليك لكمال عقلك، فيقول الحاسد حسدًا: تربت يداك، أو الذّمّ، أو الدعاء عليه، بتقدير إن خالفت هذا الأمر.
وفي هذا الحديث: الحثّ على مصاحبة أهل الدين في كلّ شيء؛ لأن من صاحبهم يستفيد من أخلاقهم، وبركتهم، وحسن طريقتهم، ويأمن المفسدة من جهتهم. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".